وثيقة فلسطينية في صفحة واحدة تحمل تاريخا أكبر من تاريخ دولة الاحتلال الصهيونية، ليس مجرد عقد زواج تم تحريره عام 1928 بحيفا، بمهر 100 جنيه فلسطيني، وأتعاب مأذون 5 قروش، وإنما تفاصيل تحكي عن فلسطين الدولة السابقة على التاريخ، تحكي عن الحياة والواقع آنذاك والاقتصاد والسياسة والجهاد ضد المحتل.
فلم يكن المأذون الذي حرر عقد هذا الزواج، شيخا عاديا، بل هو أيقونة الكفاح والنضال العربي ضد المحتل، والذي صار اسمه رغم كونه سوريا رمزا للمقاومة الفلسطينية، واتخذت حماس منه الشرارة التي أشعلت مقاومتها العسكرية فأصبح جناحها العسكري يحمل اسم كتائب الشهيد "عزالدين القسام"، ليصبح الشيخ القسام الذي توفي عام 1935 قبل نشأة دولة الاحتلال كابوسا للصهاينة وسببا في زوال دولتهم بإذن الله.
*جاهد ضد الإنجليز والفرنسيين حيا وضد الصهاينة ميتا
هو محمد عز الدين بن عبد القادر القسام (1300هـ/1883م - 1354هـ/1935م) الشهير باسم عز الدين القسام، عالم مسلم، وداعية، ومجاهد، وقائد، ولد في بلدة جَبَلة من أعمال اللاذقية بسوريا سنة 1883م، وتربى في أسرة متديّنة ومعروفة باهتمامها بالعلوم الشرعية.
ارتحل إلى الجامع الأزهر بالقاهرة سنة 1896م عندما بلغ الرابعة عشرة من عمره، وتخرّج منه سنة 1906م، وعاد إلى بلده جبلة، حيث عمل مدرساً وخطيباً في جامع إبراهيم بن أدهم.
وحين احتل الفرنسيون الساحل السوري في ختام الحرب العالمية الأولى سنة 1918م، ثار القسام في جماعة من تلاميذه ومريديه، وطارده الفرنسيون، فقصد دمشق إبان الحكم الفيصلي، ثم غادرها بعد استيلاء الفرنسيين عليها سنة 1920م، فأقام في حيفا بفلسطين، وتولى فيها إمامة جامع الاستقلال وخطابته، ورئاسة جمعية الشبان المسلمين.
واستطاع القسام في حيفا تكوين جماعة سرية عُرفت باسم العُصبة القسّامية للكفاح ضد الاحتلال البريطاني في فلسطين، وفي عام 1935م شددت السلطات البريطانية الرقابة على تحركات القسام في حيفا، فقرر الانتقال إلى الريف حيث يعرفه أهله منذ أن كان مأذوناً شرعياً وخطيباً يجوب القرى ويحرض ضد الانتداب البريطاني، فأقام في قضاء جنين ليبدأ عملياته المسلحة من هناك، إلا أن القوات البريطانية كشفت أمر القسام، فتحصن هو وبعض أتباعه بقرية نزلة الشيخ زيد، فلحقت القوات البريطانية بهم وطوقتهم وقطعت الاتصال بينهم وبين القرى المجاورة، وطالبتهم بالاستسلام، لكنه رفض واشتبك مع تلك القوات، وقتل منها خمسة عشر جندياً، ودارت معركة غير متكافئة بين الطرفين لمدة ست ساعات، وانتهت المعركة بإستشهاد القسام وثلاثة من رفاقه، وجُرح وأُسر آخرون.
وكان لاستشهاد القسَّام الأثر الأكبر في اندلاع الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936م، والتي كانت نقطة تحول كبيرة في مسيرة الحركة الوطنية الفلسطينية بعد ذلك، لتستمر العصبة القسامية بعد وفاته في كفاحها ضد المحتل البريطاني، وتستمر كتائبه بعد وفاته ب 89 عاما في مقاومة الاحتلال الصهيوني وتصبح كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس الاسم الذي أذل جيش الاحتلال الإسرائيلي وأصاب جنوده بالرعب.