حظيت إيران باهتمام ومتابعة خلال الساعات الماضية على خلفية تحطم طائرة الرئيسي الإيراني إبراهيم رئيسي خلال عودته من الحدود الإيرانية الاذربيجانية متجها إلى تبريز بعد مشاركته في افتتاح سد مائي على نهر "أراس" وهو الحادث الذي راح ضحيته رئيسي ومرافقيه وأبرزهم وزير الخارجية أمير حسين عبد اللهيان ليتساءل الجميع من المسئول عن الحادث وهل هو حادث عرضي أم مدبر وإن كان مدبرا فهل المسئول جهة داخلية أم خارجية؟ وغيرها من التساؤلات المتعلقة بطبيعة الحادث وتداعياته.
لكن في مقابل ذلك فإن الأهم في نظري هو دلالات هذا الحادث التي يجب أن نقرأها بالكثير من التأني كونها قادرة إلى حد كبير على توصيف واقع إيران التي تعد الفاعل الأهم في المنطقة خلال المرحلة الراهنة ومن ثم كيف يمكن أن تساهم هذه الدلالات في تحديد شكل العلاقة بين إيران ودول المنطقة.
ولعل أهم هذه الدلالات الأولية:
1- كشف الحادث عن مدى تهالك الأسطول الجوي الإيراني الذي لم يتم تحديثه منذ نهاية السبعينيات من القرن الماضي حتى أن بعض التقارير المتخصصة تشير إلى أن إيران لا تمتلك إلا نحو 300 طائرة لا يعمل منها فعليا إلا نحو 22% فيما أن الباقي لا يبارح الأرض حيث يحتاج إلى صيانة وقطع غيار لا تتوافر لإيران بفعل العقوبات الدولية والأمريكية.
وقد حاولت إيران وفي أعقاب الاتفاقية النووية في 2015 تعويض النقص الحاد في أسطولها الجوي إلا أن انسحاب واشنطن من الاتفاقية في 2018 لم يمهلها وقتا كافيا فلم تتحصل إلا على عدد قليل من الطائرات فيما ألغيت بقية الصفقات المتعلقة بهذا الشأن.
وبطبيعة الحال فإن هذا النقص الحاد لا ينحصر في الطيران المدني لكنه يشمل أيضا الطائرات الحربية الأمر الذي ربما دفع إيران طيلة العقود الماضية إلى اللجوء للتركيز على صناعة الصواريخ والمسيرات لتعويض هذا النقص.
2- مثلت عمليات البحث عن طائرة الرئيس فضيحة كبيرة لإيران على عدة مستويات فمن ناحية وفضلا عن أنها استغرقت وقتا طويلا لم تكن قادرة بمفردها - وهي الدولة النووية الكبيرة ذات القدرات العلمية الهائلة التي لم يفتأ قادتها يتحدثون عنها فضلا عن الحرس الثوري - على البحث عن طائرة الرئيس على أرضها الأمر الذي دعاها للاستعانة بمساعدة بعض الدول للمشاركة في عمليات البحث.
ومن ناحية أخرى بدا أن بعض المسئولين الإيرانيين يمارسون الكذب رغم أنهم يدركون أنه سيفتضح أمرهم بعد قليل إذ لم يتردد البعض من قادة الهلال الأحمر في التأكيد على أنه تم التواصل مع بعض مرافقي الرئيس في طائرته بما يوحي أن الحادث ليس خطيرا بدرجة كبيرة الأمر الذي ثبت أنه ليس ممكنا على الإطلاق.
3- الحديث المتواتر في الداخل الإيراني عن أن الحادث ربما يكون عملية اغتيال قامت بها الولايات المتحدة الأمريكية أو "إسرائيل" يعني ببساطة شديدة إقرار من قبل هؤلاء بمدى حجم الاختراق الأمني الذي تعانيه إيران فقدرة أيا من الجهتين المتهمتين على الوصول لرئيس الجمهورية الذي يفترض أن الدولة تتخذ كل ما لديها من إجراءات وفقا لأقصى امكانياتها لحمايته يعني أنهما قادرتان على الوصول إلى أي هدف آخر ما يعني أن الأمن الإيراني هش بدرجة خطيرة ومهدد طوال الوقت.
4- تلميحات البعض ومن بينهم إيرانيون عن أن الحادث ربما يعكس حالة صراع داخلي في إيران يعبر عن مستوى الثقة المتدني في النظر إلى النخبة السياسية سواء تجاه المحافظين الذين لم يترددوا في أن يستأثروا بالحياة السياسية بعدما اقصوا وهمشوا العديد من الوجوه الإصلاحية في الانتخابات البرلمانية التي جرت جولتها الأولى والثانية خلال مارس ومايو من هذا العام واستولوا على الأغلبية من مقاعد البرلمان أو تجاه الإصلاحيين الذين تتجه إليهم بطبيعة الحال أصابع الاتهام بالقيام بمثل هذه العملية.
ولا يتغافل البعض على خلفية الحادث ومقتل رئيسي مسألة خلافة المرشد العام للثورة على خامنئي خاصة وأن رئيسي كان أحد الشخصيات المرشحة لتولي المنصب في مقابل مجتبي خامنئي نجل خامنئي وهو ما دفع البعض للإشارة إلى احتمالية التخلص من كل العوائق أمام مجتبي.
5- أثبتت الدولة الإيرانية ودستورها قدرتهما على معالجة مسألة الغياب المفاجئ لرئيس الجمهورية حيث المادة 131 التي تحدد بالضبط خطوات التعاطي مع هذه المسألة والتي تكفل أن يكون هناك رئيس جديد للبلاد خلال مدة أقصاها خمسين يوما وهي المعالجة التي برغم إيجابيتها بشأن تحقيق الاستقرار إلا أن لها دلالة أخرى حيث تشير إلى أن الجميع بمن فيهم الشارع الإيراني يدركون جيدا أن خيوط العملية السياسية بما فيها الأمور التنفيذية برمتها بيد المرشد الأعلى وأن أي غياب مفاجئي لأي شخصية تنفيذية لا ينعكس بشكل قوي على عمل مؤسسات الدولة.