رئيس مجلس الادارة: نجلاء كمال
رئيس التحرير: محمد أبوزيد
advertisment

سحر الحسيني تكتب :سلوي حجازي نصف قرن شاهد عيان

المصير

الجمعة, 17 مايو, 2024

10:46 ص

نصف قرن شاهِد عِيان..

لم تمنح سلوى حجازي برحيلها المبكر الكثير من مساحات الرؤية للكتابة عنها، ولكن أي لغز هذا الذي يجعل من شخصٍ قصيرةٌ هي فترة حياته، ومر نصف قرن على رحيله، ويبقى عطره الأخاذ يخلب العقل إذا ما مر بالذاكرة؟

وكأن استشهادها في 73 بصاروخ إسرائيلي يضعها رغمًا عن أنوف الجميع في سجلات شهداء النصر والحياة. سلوى حجازي 1933-1973. لم يكن القتال فقط سيفًا ورصاصًا ومدفعيات. القتال والنضال الأكبر هو نضال الكلمة، قصيدة تُشعل ثورة.. خطبة تؤجج شعبًا.. مقالة تلهب فتيل انتفاضة. ومن أرباب الكلمة كانت سلوى حجازي، الشاهدة على أن الحق يبقى، وغثاء السيل إلى زوال. أكثر من نصف قرن منذ استشهادها، ولا يزال مقعدها شاغرًا حاملًا لاسمها، ووَسْمها مؤسسًا أصيلًا للتلفزيون العربي، فقدَّمت في البداية نشرة الأخبار باللغة الفرنسية لمدة أربع سنوات، ثم برنامج "شريط تسجيل"، وبرامج: "ريبورتاج"، "الفن والحياة"، "سهرة الأصدقاء"، "العالم يغني"، "المجلة الفنية"، وكان أشهرهم برنامج الأطفال "عصافير الجنة". الشاعرة والإعلامية متقدة الذهن، المثقفة صاحبة الحضور القوي، والناقدة الأدبية صاحبة ديوان الشعر الفرنسي الذى تُرجم إلى العربية بعنوان: "ضوء وظلال"، وديوان "أيام بلا نهاية"، وحصلت على الميدالية الذهبية في مسابقة الشعر الفرنسي... صدَقت فوصل صِدقها لملايين.. لم تكن قَطُّ من باحثي الشهرة ولا أصحاب الأبواق العالية، كانت فردًا من أفراد كل بيت مصري بتواضعها وقُربها وملامحها الملائكية.. بدفاعها عن شجرةٍ يتم قطعُها في شارع.. بدفاعها عن حصان حمَّله صاحبُه فوق طاقته.. بهدوءٍ ولطف وسلاسة اختارت أصعب أدوار العرض المسرحي لهذا الكون.. اختارت أن تكون "ماما سلوى"، وأن يكون دورها الغرس والعناية بنبتةٍ ستحمل لواء أُمة، فأثرت في نهج أجيالٍ توالت، فخلقت جنةً لعصافيرَ عشقوا إحساسها الصادق. سمعنا من ضيوفها ما لم نسمعه منهم من قبلُ بذكاء ومهارة وانسيابية. أيضًا تتسلل ما بين شِقي الرحى: العقل والروح؛ لتُخرج لنا مكنوناتٍ لم نعرفها.. نزار قباني، فيروز، عبد الوهاب، بديع خيري، يوسف وهبي، وأم كلثوم التي كانت بصحبتها دومًا. لم تكن لتنتظر مَن ينتقد عملها، بل كانت تعيد رؤية برامجها بعين الناقدة والمشاهِدة؛ لترى ما لها وما عليها، لتجعل القادم أفضل. كانت تنعت نفسها فخورةً بكونها موظفة في جهاز إعلام مصر، وعنها قال الشاعر الكبير الراحل صالح جودت في كتابه "الشعر والحب والموت": «أكتب كل حرف من هذا الكتاب بالدموع، ولا أستطيع أن أراجع دموعي كلما ذكرت أن سلوى عاشت سنواتها الأخيرة تتعذب عذابًا نفسيًّا مكبوتًا، رغم ابتسامتها الحلوة على الشاشة، كانت تحس بأنها ستموت في زهرة العمر، وأنها ستموت في كارثة، وأنها ستترك صغارها وحيدين»، رحلت لتترك طيب الأثر وذلك الوجه الأنيق للرائدات كيف يكنَّ.