رئيس مجلس الادارة: نجلاء كمال
رئيس التحرير: محمد أبوزيد
advertisment

رمضان والعيد في الصين تجربة واقعية بعين عربية

المصير

الجمعة, 3 مايو, 2024

07:02 م

د. أحمد عبد اللاه فارس يكتب


رمضان ذو طابع مختلف في طقوس عبادته و ألوان طعامه في البلدان العربية وخاصة مصر وكذلك عيد الفطر وفرحته ومظاهر الاحتفال به في مصر مغاير أيضا؛ إلا أننا لمسنا شعور فرحة بهما في الصين.

فبعد مرور أربعين عاما كتب لي الله أن أعيش تجربة رمضان والعيد في الصين بلاد العجائب والعمل الدائم، ورغم اختلاف الاجواء الرمضانية والروحانية التي تطلق انبعاثات السعادة علي المجتمع في مصر والعالم العربي من خلال تجمعات العائلة والاصدقاء والجيران وزملاء العمل فتلامس الوجدان، وجدنا تشابه وإن كان بسيطا في بكين.

ولعل أول تجربة رمضانية في الصين خلقت لدي فضول المعرفة في كيفية ممارسة طقوس العبادة في الصين وخصوصا بكين ومقاطعة جيانغسو من خلال معايشة حقيقية ، واضعا نصب عيني تقارير أجنبية نشرت عن إجبار المسلمين الصينين علي عدم الصوم والمنع من الصلاة. ومن رأى ليس كمن سمع ، فوجدت ببكين العاصمة السياسية للصين 60 مسجدا منها مايعود تاريخه لألف عام خلت يتوافد إليها المغتربين والصينين بكامل الحرية دون اعتراض أو معوقات حكومية مما يؤكد علي الحرية التامة في ممارسة الصلاة في المساجد.

ومن المعروف أن شهر رمضان هو من أكثر شهور ممارسة العبادة لدي المسلمين من صيام وصلاة ،فكان هناك العديد من الأسئلة التي ستجيب عليها أيام رمضان. كيف يتعامل المواطن الصيني في بكين وجيانغسو مع المسلم الأجنبي أولا عند سؤاله أين توجد المساجد؛ وماهي معاملته مع ابن وطنه المسلم أثناء ذهابه إلـى المساجد في رمضان أيضا ؟وهل من المعقول اجبار احد علي تناول الطعام في نهار رمضان؟.

هل يحترم أبناء بكين وجيانغسو المسلمين وطقوسهم؟

مع بداية انطلاق اليوم الأول للصيام أجاب المشهد عن أسئلتي مرة تلو المرة من خلال الواقع الحي ومن خلال نقاشات مع صينيين مسلمين ووغير مسلمين. وكنت على موعد للاطلاع من خلال زيارة أقرب مسجد لحي جيانجومن الذي أقطن فيه، وهو مسجد ننشابو الذي تتعدي مساحته 2000 متر ويتسع لـ300 مصلي في صحن المسجد ونفس العدد في الخارج. وحرصت على أن أصلي المغرب مرة والعشاء والتراويح مرات حتى تجيب التجربة على الأسئلة التي تدور في ذهني.

فوجدت نفس العادات الإسلامية تطبق في كل من بكين وجيانغسو بداية من موائد إفطار جماعية في فناء المسجد، حيث يجتمع المسلمون الصينيون والضيوف لتناول الإفطار بشكل جماعي. وتتشابه الموائد في أنواع الاطباق والمشروبات، حيث التمور والعصائر والشاي والحلوى واللحوم والخضروات، بل كذلك يتم تقديم التمور للضيوف قبل رفع الآذان عبر مكبرات الصوت.

ولا تتوقف العادات عند الإفطار، بل يتم تحضير جميع أنواع الشاي الصيني قبيل صلاة العشاء والتراويح مع زجاجات المياه، وذلك حتى يتسنى للمصلين الذين يمكثون قرابة ساعة ونصف في المسجد لأداء الصلاة بكل ارتياح. فيبدأون صلاة العشاء ومن ثم الاستماع للوعظ اليومي خلال أيام رمضان، ثم أداء 20 ركعة تراويح.

ومن خلال حديثي مع مسلم صيني بالمسجد يدعي " مابو أبا ابراهيم" أخبرني أن رمضان يمثل نفحة إيمانية كبري لدي مسلمي الصين حيث يكثرون فيه من الصلوات والنوافل فأغلب مسلمي الصين خصوصا في بكين مذهبهم سنة احناف وحنابلة ومالكية يمارسون عبادتهم مثل المسلمين في المناطق العربية من صلوات وتجمع لإفطار المغرب ولكن نفضل التجمع في المسجد .ثم تناول التمور والعصائر ثم الصلاة والجلوس على موائد الإفطار داخل غرفة من غرف المسجد في جو من الألفة والمودة .

واضاف أن اخواننا الصينين غير المسلمين يحترمون صيامنا وطقوس عبادتنا ونتعايش في إطار الوطن الآم الكبير. ومن صيني مسلم إلي صيني غير مسلم اسمه "وي" ثبت بتجربة بسيطة أمام أعيننا الاحترام المتبادل حيث هنأ مسلمي بكين برمضان في فناء المسجد وحرص علي خلع الحذاء والوقوف خارج مكان الصلاة احتراما لطقوس عباتهم .وهذا يظهر انعكاس لثقافة التعايش والاحترام المتبادل بين مختلف القوميات الصينية.

ومن صيني مسلم إلى آخرلا يدين بالإسلام يدعى (الأخ وي)، أثبت لنا بتجربة بسيطة أمام أعيننا الاحترام المتبادل بين جميع الصينيين، حيث هنأ جميع مسلمي بكين برمضان من فناء المسجد، وحرص على خلع حذائه والوقوف خارج صحن المسجد احتراما لطقوس عبادتهم. وهذا يظهر انعكاسا لثقافة التعايش والاحترام المتبادل بين مختلف القوميات الصينية.

هل يحترم الشعب الصيني في بكين وجيانغسو المسلمين وطقوسهم أم لا؟

نحن نعلم أن أمريكا والدول الأوروبية وكثير من الدول يتخذون من العلمانية نمط حياة وكذلك الصين ،التي تتنوع فيها المعتقدات، ولعل تاريخ الثقافة الصينية الذي يمتد لخمسة الاف سنة يذكر دائما أن هذه الحضارة بمختلف قومياتها تتعايش في سلام بل إن طريق الحرير الصيني كان سببا في انتشار الإسلام فى آسيا ودخوله للصين منذ ألف وأربعمائة عاما تقريبا أي في عهد الخليفة عثمان ابن عفان رضي الله عنه وكان التعايش والاحترام المتبادل سمة تميز شعب الصين .فهل التقارير الأجنبية لها أهداف سياسية واقتصادية منها دفع المسلمين لمقاطعة المنتجات الصينية وعدم التقارب والانفتاح بين الصين والدول الاسلامية؟

البث المباشر والحقيقة

ربما تغني صورة عن ألف كلمة وبالطبع فإن البث المباشر للأحداث عبر السويشال ميديا يغني عن كل الكلام ،فقد قمت ببث مباشر لخطبة الجمعة الآخيرة من شعبان والصلاة ،ورصد لمشهد حركة دخول المصلين من خارج المسجد ، وداخله ، وكذلك بث لصلاة العشاء والوعظ اليومي وختم الصلاة حتي يشاهد الجميع الوضع علي الطبيعة دون تدخل .من خلال صفحتي على التواصل الاجتماعي الفيسبوك لصلاة العيد ، ليشاهد الجميع انه ليس هناك اختلاف او عائق.

مواقف نبيلة لصينين في رمضان

لمست أن كثيرا من سكان بكين وجيانغسو يعرفون رمضان، ويحترمون المسلمين عامة. ولعل زيارة وفد صحفي مكون من 33 دولة أفريقية لمقاطعة جيانغسو عكس ذلك، ليس فقط بسبب حرص لجنة تنظيم الزيارة المكونة من السيدة "كاثرين" مدير الفرع الأفريقي بالمركز الصحفى الدولي على عمل مجموعة خاصة بالصحفيين الصائمين رغم قلتهم (11 صحفيا)، إلا أنهم طلبوا خلال الرحلة من بكين إلى جيانغسو التى تستغرق ثلاث ساعات من مطبخ الطائرة تجهيز وجبات إفطار حلال لنا. كما لم تنس الصحفية "كاثي وينج" من صحيفة جلوبال تايمز متابعة أوقات الإفطار والسحور كل يوم واثناء اوقات الغداء لباقي الوفد يتم اصطحاب المجموعة الصائمة إلي استراحة خاصة.

ومن أفضل المواقف التى تعكس نبل الإنسان عندما كنا في البلدة القديمة لمدينة" وشي" بمقاطعة جيانغسو حيث تزامن إفطار المغرب مع وجبة العشاء فذهب الوفد الذي يقترب من 50 فردا ما بين صحفيين ومنظمين إلى مطعم صيني به مأكولات متنوعة مكتوب عليها باللغه الإنجليزية والصينية؛ ولكن حدث موقف غريب تبدل اناء طعام كان مكتوب عليه جمبري بلحم خنزيرمفروم ملفوف بالفطائر . فوضعناه في الأطباق ،وبعد صيام طويل وجولات مكثفة كدنا أن نفطر علي طعام محرم لدينا لولا أن أسرعت صحفية من جلوبال تايمز اسمها" اي اي "بالصينية و"eleven"بالإنجليزية نحونا قائلة "هذا لحم خنزير وأنتم مسلمون لا تاكلونه " فقمن بتبديل الطعام. وهذا الموقف يعكس مدى الاحترام للمسلمين وثقافة السلام مع الجميع فى الداخل والخارج .

عيد الفطر في الصين

تزينت المساجد في بكين بالزهور والورود مع لافتات تهنئة بالعيد للمسلمين داخل المساجد مكتوبة باللغتين العربية والصينية. وكان للعيد فى المسجد السوادنى الملاصق لسفارة السودان طعم مختلف حيث تتجسد المظاهر العربية التامة من تجمعات عربية متنوعة بل مسلمين من مختلف الجنسيات و الاحتفال بالطريقة العربية بحلوي العيد مع مشروبات متنوعه عربية بجانب عطر المسك . وكان اللافت للنظر أن الشرطة لم تعترض احد من الذين توافدوا باعداد كبيرة من داخل محطة المترو القريب حتي المسجد في موقف يعكس المعرفة واحترام الاختلافات العقائدية.

خبير في العلاقات الدولية والشؤون الصينية.

امين عام رابطة الشئون الأفريقية والعربية بنقابة الصحفيين المصرية.