مأزق التيار التنويري..ماذا يعني شرعنة كاتبة تنويرية للعلاقات المحرمة والدفاع عنها؟
بدر ناظم النواساني
يخطيء من يتوهم أن ما يُسمى "تيار التنوير" يحمل رسالة إيجابية أو هادفة للمجتمع؛ لأن هذا وهم وافتراء واجتراء على الحقيقة وادعاء ساقط وقول متهافت. هذا التيار المخدوع –الذي لا يجيد سوى الكلام والنقل عن مستشرقين غربيين، لا يحمل خيرًا أو بعض الخير، ولكنه يحمل أجندة تكتظ بالضلالات والأباطيل والأراجيف.
لم أندهش عندما طالعت مؤخرًا مقالاً مطولاً لكاتبة تنتمي إلى هذا التيار وتدافع عنه باستماتة، تشرعن فيه "الزنا"، وتقنن "البغاء"، وتعتبر التفسيرات الدينية المعتمدة والمعتبرة بتحريمهما، ضيق أفق ورِدَّة حضارية ووصاية مرفوضة على العقل والجسد، وفي ظل إتاحة موانع الحمل المختلفة لم يعد هناك مبرر للتعامل مع هاتين الجريمتين بالنهج القرآني ذي الطبيعة البدوية والصحراوية الغليظة "على حد وصفها ووصف أقرانها"! وقد سبق هذه الكاتبة آخرون وأخريات ممن أباحوا شرب المسكرات وتدخين المخدرات وكل ما نزل فيه نص مقدس لا يقبل تأويلا ولا تحويلاً. كما كشف هذا التيار عن وجهه القبيح مؤخرًا في أزمة تصريحات الأثري المصري الدكتور زاهي حواس الذي نفى فيه وجود شواهد أثرية على وجود بعض الأنبياء، حيث تضامنوا معه وأيدوه!!
التيار -الذي تحارب كاتبة المقال المذكور تحت لوائه وتدافع عن ألوانه وتناضل في سبيله- يشتبك منذ سنوات طويلة مع جميع الثوابت الإسلامية :تحديدًا" والأعراف الأخلاقية "خصوصًا"، ويسعى إلى تحطيمها تحطيمًا؛ من أجل بناء مجتمع "عقلاني" متحرر من قيود السماء. هي وأقرانها وقريناتها يؤمنون بأنه لا صلاح للأرض سوى بالابتعاد عن تعليمات السماء، يُحرفونَ الكلم عَن مواضعِه، ويقولونَ: سَمعْنَا وَعَصَيْنَا، وَاسمعْ غيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلسنتِهِم وطَعنًا فِي الدِّينِ، ولَو أَنَّهُم قَالُوا: سمعنَا وَأطَعنَا وَاسمَعْ وَانظُرنَا لَكَانَ خَيرًا لهم.
هذا التيار يتعامل مع من حوله بـ"عنجهية مفرطة"، وكأنه المهدي المنتظر، هو نفسه الذي قاد خلال العقود الماضية حربًا ضروسًا ضد الإسلام، دينًا وقواعد وثوابت وأخلاقًا، فوجدنا مَن ينسف أركان الإسلام: صومًا وصلاة وحجًا وزكاة، وينسخ آيات تحريم الخمر والمسكرات، و يعلن الحرب على الحجاب، ويتظاهر من أجل تعرية عورات النساء، ويسخر من تعمير بيوت الله، وينادي إلى التضييق عليها، وقبل ذلك وبعده.. يغمز ويلمز في كتاب الله بهواه المريض، ويزدري سنة رسوله الأكرم، ويتنمر بصحابته الأكارم، ويطعن في زوجاته رضي الله عنهن وأرضاهن.
وكما لم تخجل صاحبة مقال شرعنة الزنا وإباحة البغاء من نفسها، وهى سيدة تخطو نحو سن الشيخوخة، إن لم تكن تجاوزتها، فإنَّ هناك أيضًا مَن لم تستحِ يومًا مِن أن تطالب بإباحة تعدد الأزواج، وأن تجمع المرأة بين أكثر من زوج، في ظل ثورة الـ"دي إن إيه"، أو أن يُنسب الابن لأمه وليس لأبيه في الأوراق الثبوتية والهويات الشخصية، فضلاً عن الترويج لعلاقات محرمة، سواء بين الجنسين، أو بين أفراد الجنس الواحد، تنفر منها النفوس الطيبة والطاهرة.
المؤسف في الأمر..أن يتم التمكين لهذه الكتابات المنحرفة والآراء المضللة في فضائنا العربي والإسلامي، فلا تجد من يُعطل نشرها وإذاعتها ويمنع الاحتفاء بها والتهليل والتصفيق لها، سواء عبر صحف سيَّارة، أو كتب مطبوعة، أوفضائيات مسموعة، أو ندوات مفتوحة، بل وتكريم أصحابها بالجوائز الرسمية الرفيعة، في الوقت الذي يتم فيه إغلاق جميع النوافذ وفرض القيود الثقيلة أمام أية محاولة للرد والتوضيح والتفنيد وإثبات التضليل والتدليس وسوء النوايا وانحراف المقاصد.
إنَّ التمكين لتيار منحرف أخلاقيًا ودينيًا وعقلانيًا بالتمدد والتوغل صحفيًا وإعلاميًا وثقافيًا، وفرض حضوره بالقوة الجبرية، سوف يؤسس لأجيال متعاقبة، لا تعرف للدين وقارًا،ولا تقيم للخلق القويم اعتبارًا، وهذا ثمن -لو تعلمون- ثقيل وعظيم..
وختامًا..فإنَّ الإرث الشيطاني لهذا التيار يقودنا إلى نتيجة حتمية مفادها: أننا نواجه خصمًا كارهًا للأخلاق الرفيعة، والفضائل الحميدة، والأعراف الراسخة، وليس هناك أسوأ من أن تواجه عدوًا بلا أخلاق أو مباديء.
=================================
كاتب المقال: صحفي وباحث ومحاضر عراقي
=================================