رئيس مجلس الادارة: نجلاء كمال
رئيس التحرير: محمد أبوزيد
advertisment

ماجد سمير يكتب المبيضة

المصير

الأحد, 28 إبريل, 2024

08:17 م


تم تحويل رصيدكم لدينا إلى "بيض"، وعليكم التوجة إلى المركز الرئيسي فورا لاستلام المبالغ خاصتكم.. رسالة نصية غريبة استلمها تليفوني المحمول فور وصولي إلى مطار دولة "إيج لاند Egg Land".

انطلق فكي الأسفل مبتعدا عن الأعلى من الرسالة التي أصابتني بدهشة شديدة؛ فعند تقدمي للحصول على التأشيرة والمقابلة في سفارتهم بالقاهرة، طلبوا مني عدم اصطحاب أية أموال بأي عملة خلال زيارتي، لأنها ستصادر فورا مع التأكيد على إيداعي مبلغ محدد بالدولار الأمريكي باسمي في البنك المركزي الخاص بهم، مع ضمان تحويل المتبقي من المبلغ لحسابي في مصر بعد انتهاء الزيارة.

فور خروجي من المطار، لاحظت أن مواطني الدولة، يحمل كل منهم في يده ما يشبه كرتونة بيض بلاستيك، كل إنسان يسير ومعه كرتونة، وتتميز الكراتين التي تحملها السيدات بألوانها المبهرة.

نظرت حولي متعجبا، ولمحت المرافق يحمل لافتة عليها اسمي؛ لتيسير عملية التعارف, اتجهت ناحيته، عرفته بنفسي، وقررت أن أسأله فورا عن تحويل الأموال لبيض، بدأ الشاب ذو الملامح الأسيوية التحدث بلغة عربية تشبه لحد كبير الترجمة المصاحبة للإعلان الشهير للكريم الذي يعالج الصلع، ابتسمت للتشابه العبثي ولمخارج الحروف؛ فهناك خلط دائم بين الحروف؛ فالقاف استبدلت بالكاف والضاد بالدال والعين بالألف؛ وبشكل مستمر يبدأ كلامه بجملة "إنه يكول" أي إنه يقول ولا أعرف من الذي يقول.

وأثناء سيرنا نحو السيارة التي ستقلنا إلى وسط العاصمة، حيث سأقيم طوال فترة زيارتي لدولة "إيج لاند Egg Land" رجوته أن يبدأ شرح معنى تحويل رصيدي لديهم إلى بيض.

ابتسم وهو يشير إلى السيارة في الجهة الأخرى من الميدان المواجهة للمطار؛ بينما يسير بجوارنا حامل الحقائب، وقال المرافق: دعني أحكي لك أن البداية كانت خطأ في ترجمة المثل الصيني الشهير "لا تعطني سمكة .. بل علمني كيف أصطاد" إلى لغتنا المحلية؛ فكلمة سمكة شبيهة تماما لحد التطابق مع كلمة بيضة سواء في النطق أو الكتابة في لغتنا المحلية؛ فتحول المثل بالخطأ إلى "لا تعطني بيضة .. بل علمني كيف أبيض.

وأشار بيده لأنتبه أن إشارة المرور تحولت إلى اللون الأحمر لنتوقف عن عبور الشارع، وأكمل حديثه مع استمرار حامل الحقائب في السير بجوارنا مبتسما كرجل آلي: وجدت حكومتنا -في خطأ الترجمة للمثل- حلا سحريا لكل مشاكلها الاقتصادية، وبعد دراسة وافية وأبحاث ممن أطلقت عليهم حكومتنا الغراء خبراء اقتصاديين، وصلوا إلى قرار عبقري بإلغاء العملة المحلية المنهارة واختيار البيضة عملة بديله لها.

اتسعت عيناي وارتسم على وجهي الاندهاش الشديد، وقلت له بالإنجليزية فيما معناه: هل تعني أن عملتكم لم تعد "الساروتة".. أبدلتموها بالبيضة؟، ابتسم حامل الحقائب بصوت عال وقال yes .. ثم قلد صوت الدجاجة "بكباكاكً.. كاك ..كاك".

تغير لون إشارة المرور إلى الأصفر، ثم الأخضر وعبرنا الشارع، ووصلنا إلى السيارة، وضع حامل الحقائب حمولته فيها وانصرف بعد أن حيانا بابتسامة، وانطلقت بنا السيارة إلى هدفها وأكمل المرافق حديثه مبتسما: بعد القرار أصبح الدجاج ثروة قومية، وبات المصدر الرئيسي للدخل القومي، وأممت الحكومة كل الدجاج، وحرمت ذبحه وطهيه وبالطبع أكله لدرجة أن مجرد اقتناء أي مواطن لكتكوت جريمة خيانة عظمى.

رفعت حاجبي وبشكل لا إرادي، ابتعد فكي الأسفل عن الأعلى كمن سمع "النداهة"، ربت على كتفي وابتسم واستطرد قائلا: ومع الوقت اكتشفت الحكومة أن الدجاج وحده لايكفي كمصدر للدخل القومي, وأن عليهم تدبير مصدر إضافي للعملة الوليد.

التفت إليه منتظرا بقية الحوار؛ فقال بعد أن استأذنني ليشعل سيجارة: وظهر فجأة في بلدنا مَن أسموهم علماء، أجروا أبحاثا علمية كثيرة، ووصلوا إلى لقاح حقنوا به كل أفراد الشعب، وخلال أسبوعين فقط من الحقن أصبح كل فرد يستطيع بكفاءة منقطعة النظير أن "يبيض".

عاد فكي الأسفل للابتعاد عن الأعلى، وبات فمي مفتوحا على مصراعيه، وهنا تدخل السائق في الحديث بمنتهى الفخر: يا سيدي نحن نشعر الآن أننا أصحاب البلد؛ فأنا كمواطن أساهم "ببيضي" في زيادة الدخل القومي للوطن.

لم يمكث فكي الأسفل في مكانه الطبيعي لثوان، وعاد من جديد للهروب بعيدا عن الأعلى، مد المرافق يده وأغلق فمي وقال بلهجة مصرية غير دقيقة: "حبيبي كده ممكن يعلق ما تعرفش تقفله"، وأكمل حديثه: كلنا كمواطنين نذهب أسبوعيا حسب الجدول الدقيق إلى مركز صك العملة التابع للحكومة؛ لنساهم في دعم دخل وطننا ونبيض بمنتهى السعادة، وأمسك بيده اليمنى فكي الأسفل قبل أن يتحرك بينما لمحت في المرآة الخاصة بالسيارة السائق يهز رأسه مؤيدا كلامه.


وأضاف أن الحكومة أجرت استفتاء لتغيير اسم البنك المركزي ودار صك العملة، واخترنا بالإجماع كلمة "المبيضة" كمسمى يعبر عن المرحلة الجديدة للوطن، وتوقفت السيارة أمام مبنى ضخم جدا، ونزل وفتح لي باب السيارة، وقال: نحن الآن أمام المبيضة .. تفضل يا سيدي، خفت بشدة وسألته لماذا ؟ فأجاب لاتقلق سيدي، رجوته أن نعود للمطار، أريد العودة لبلدي مصر حالا، ابتسم قائلا: يا سيدي أنت أجنبي وغير مؤهل بيولوجيا كي "تبيض" ولكن عليك الحفاظ على جواز السفر الخاص بك لإثبات أنك أجنبي، وإلا ففي حال فقده ستسجن وتحقن باللقاح، وأكمل حديثه باللهجة المصرية وهو يغلق فمي قائلا "وحتما هتبيض".