يحكي ديفيد كريست في كتابه حرب الشفق خفايا ثلاثين عاما من الصراع الأمريكي الإيراني أن المدرب قال له كجزء من درس معاد و مكرر في التكتيك الحربي " أنت دوما أكثر عرضة لهجوم العدو خلال فترات الشفق والغسق البحريين " وتابع قائلا بأسلوب من يسرد وقائع علمية بحتة " الغسق والفجر فترتان إنتقاليتان "هنا إنتهى الكلام لديفيد كريست .
واستلهاما من الغسق والفجر هل ما يحدث ويجري من صراع اليوم بين إيران وإسرائيل يعد مرحلة انتقالية ويأتي بعدها مرحلة جديدة وحلقة من حلقات صراع السيطرة على دول الإقليم الغائب .
إن الصراع الدائر منذ عقود بين إسرائيل وإيران في حقيقته هو صراع على النفوذ والسيطرة على الإقليم الغائب وهو الإقليم العربي فإسرائيل أحد أسلحة الولايات المتحدة الأمريكية للسيطرة .. و إيران التي تصنع أذرعها ودراويشها من أجل تحقيق أهدافها وأمجادها في السيطرة يتسابقان فيما بينهما على من يستحوذ ويكسب أرضا جديدة أمام الآخر .
والجمهورية الإسلامية الإيرانية التي أرادت أن تصدر نموذجها لدول المنطقة منطلقاتها الدينية التي تستند عليها في صراع النفوذ و إتشحها بالعباءة السوداء لا يمثل سوى سلاحا توظيفيا من أجل تحقيق أمجاد السيطرة والنفوذ والتوسع والتمدد في أمل منها أن يعود الإمام الغائب ويجد الدولة التي جهّزها له "الخوميني" هكذا هي الأسطورة المؤسسة لدولة الملالي .
ولا تختلف إسرائيل عن إيران في السعي وراء نفس الهدف وباستخدام اسطورة دينية ايضا مؤسسة لدولتها فهي تبحث عن هيكل تستعيد به المجد فإسرائيل لم تتخل عن أحلام السيطرة والتوسع وإن تأخر مشروعها بعض الوقت إلا أنها تمضى بخطوات ثابته نحوه وأدواتها السلاح ومشروعات التطبيع الاقتصادي والجنة الموعودة .
إن هذا الصراع بين إيران وإسرائيل صراعا على من ينجح في تكوين الأتباع ويسيطر ، ويتم ذلك على حساب إقليم عربي غائب منذ زمن. وهذا الغياب والضعف الذي مكن إيران من التواجد بالنفوذ والسلاح والأفكار في لبنان ، وسوريا ، واليمن ، والعراق ، وكذلك حماس من منطلق أفكار المقاومة والطائفية أيضا .
أما إسرائيل فهي الأخرى متواجدة بقوة ونفوذ بخلاف سياستها التي تتبعها لإمحاء فكرة أن هناك دولة فلسطينية ، فهي متواجدة اقتصاديا بحضور منقطع النظير في مشروعات تحت عناوين التنمية والرخاء ويتم الترويج للجنة الموعودة من خلال دول ناطقة بلسانٍ عربي مبين .
ومثل ما نجحت إيران في صنع أتباع من خلال ميليشيات وأفكار شيعية منتشرة في ربوع الخليج والشام نجحت إسرائيل أيضا في صناعة أتباع يتحدثون بالسان الرخاء والتنمية ويبشرون بدينٍ جديد وأنبياء جدد .
ومن ثم فإن الصراع الدائر بين إيران وإسرائيل واستهداف إسرائيل لإيران في سوريا لا يمثل سوى حلقة من حلقات صراع السيطرة يكون مسرح العمليات فيه هي أرض العرب وبالأخص سوريا ولبنان - تلك الأرض التي تعد مرتعا لكل الصراعات - وأيا كان وصفنا للرد الإيراني بأنه مصطنع فليست هذه المعضلة إنما المعضلة تكمن أن هذا صراعا على دول هشة يحاول فيه أحد الأطراف التربع على عرش نظام إقليمي متفكك .
وللأسف الشديد ما حدث على أرض غزة يدخل ضمن صراع السيطرة بين إيران وإسرائيل ، وعلى حساب أحلام عودة وطن ضائع لا يعلم أحدا فينا متى يعود ؟!، وعلى أنين الأطفال والأسر الكاملة التي اندثرت تحت أنقاض بيوتهم دون أفق لدى أي طرف يجيبنا على سؤال وماذا بعد هذا الصراع ؟ سوى واقع مرير بضياع مزيدا من أرض وطن نحلم يوما أن يعود .
و الصراع الدائر له فصول مفتوحة فلازال الستار لم يسدل بعد في ظل إقليم غائب بين أتباع كثر غارقين في شتات الأسياد وإن بدوا أنهم أشقاء إلا أنهم ليسوا على قلب رجل واحد فهم يبحثون عن الأدوار وأن يكونوا أرقاما ولكن للأسف ليس باستثمار قدرتهم الذاتية وإنما عن طريق من يوجّههم.
من المؤسف للغاية أن نصور الصراع بل نختزله فقط في مسئولية حماس التي تحمل أجندة إيرانية في كونها السبب عن الحرب في غزة وأنها مسئولة مع ما نسميهم بجماعات الإسلام السياسي وننسى أنهم أداة في يد من يحاول السيطرة والتوسع في المنطقة ، وفي لغة الإدانة ننسى كما ندين حماس أن ندين أيضا من يبشرون بجنة إسرائيل الاقتصادية المفقودة والدين الجديد ، الذين لم يجيبوا على سؤال أين الوطن الضائع ؟ وما يزيد الشجن أنهم لم يمسوا المجرمين بالإدانة على جرائمهم التي يرتكبونها يوميا في حق أهلنا في غزة إننا حقا أمة غائبة وغارقة في ظلمات شديدة وللأسف لن يخرجها دعاء يونس الذي نجاه من ظلمات الحوت " لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ".
ويظل الإقليم الغائب الغارق بين نفوذ وسيطرة كلا من إيران وإسرائيل والصراع عليه لن ينتهي على أمل أن يحسم أي طرف الصراع لصالحه وهذا أمر يصعب حسمه بسهولة ، وثمنه سيكون غاليا للغاية على الجميع .