ربما الأمس ربما اليوم ربما غداً، لا أحد يستطيع التنبؤ بالموعد المحتوم.
في تمام الواحدة صباحاً وأستطيع الجزم بذلك
أغمضت عيناها بعد يوم شاق ..تصارعت فيه مع الوحدة والقسوة والإتهام الدائم بالتقصير... رغبة عارمة ثائرة تهاجمها كل عام وربما كل يوم وكل لحظة.
تخفت أحياناً وتعاود الهجوم بغتة بصورة جلية رغبة ملحة في جلد الذات تتسلق بين ثنايا أفكارها تغرس مخالبها بطيات رأسها بكل قسوة.. تحملها إلى مشهد سريالي قاعة كبيرة بابها فولاذي ضخم موارب وعلى الرغم من الضوء الباهر خلفه لا يستطيع شعاع الضوء أن يتسلق إلى الداخل.
في المواجهة جدار ضخم محفور فوقه ( هنا تسكن الحقيقة كاملة) يتساقط من كل حرف قطرات دماء قتلى ودموع مظلومين.. مكان أشبه بقاعة المحكمة يجلس في الصفوف الأولى الجدة والعمة والخالة.
مصباح ضوئه خافت مرتعش معلق بخيط وهمي معلق بلا شيء ولكنه يعكس شعاع
ضوء مهيب على وجوههم كل منهم يمسك بكتاب يحمل جملة فوق الغلاف
( لاشيء يدوم ) ( لقد سكب اللبن فلما البكاء؟ ) ( عالمنا غير مخيف على الإطلاق ) تطل الصديقة برأسها من خلف الباب وقد زالت الهالة السوداء حول عينيها واستعادت خصلات شعرها مرة أخرى.
تلتفت يميناً ويساراً وكأنها تبحث عن
شخص بعينه لتتسمر عيناها على سيدة
في العقد الرابع من عمرها تترأس المكان كقاضي جليل يجلس على المنصة.. إنها أمي ...تختفى الصديقة من مكانها لتعاود الظهور فجأة بجوار الأم ...تقبل رأسها وتخبرها أن ابنتها بخير وكانت أرواحنا تتلاقى كثيرا رغم طول المسافات وتفتح كفها لتخبر أمي أنها اتكئت بيدها على كتفى يوماً حينما اشتد المرض عليها وهنا يوجد أثر مني.
تميل أمي برأسها تمسك بيدها وتغمض عينيها تقبل رائحتي العالقة بها .. وكأنها تسترد من روح الصديقة ما يخصها مني.
تختفي الصديقة من بقعتها وتظهر مرة أخري وسط أهل المكان تلقي ما تيسر من شهد
كلماتها لتنال ذهولهم وإعجابهم. ثم تجلس وفجأة يظهر بين يديها كتاب من ذهب وقلم من نور حبره شهد من الجنة .. تكتب على غلاف كتابها ( لا ألم بعد اليوم فهنا تسكن السكينة ).
يدخل من الباب الصديق يلقي بيده التحية مبتسماً يدور حول نفسه فاردا ذراعيه كالأطفال منتشيا.. يجلس فوق أرجوحة يتأرجح إلى الأمام وإلى الخلف .. يتمتم بأبيات من قصيدة اتفقنا أن نلقيها سوياً ونحتمل سوياً تعليقات الحاقدين السخيفة ربما على كلماتنا أو هيئتنا.. ربما نصبح من المشاهير يوماً .. اتفقنا أن نقابل رغبة من يريدون التقاط الصور معنا بكل لطف ونبتسم ابتسامة نابعة من القلب غير مصطنعة اتفقنا أن نحب العالم بصدق وإن كرهنا
سلام عليك أيها المهاب.
تمسك أمي بمطرقة وتدقها بقوة صوتها يزلزل أركان المكان لتعلن انتهاء موعد الزيارة ..
يرن بنغمات متتالية رتيبة ذلك السخيف يعلن عن شروق الشمس ووجوب العودة إلى عالم عنوانه ( هنا يسكن الزيف ).