أبو الجاسم محمد محمود
هو الأرقم بن أبي الأرقم القرشي المخزومي رضي الله عنه، وكنيته أبوعبدالله، من الأولين السابقين إلى الإسلام، فقد كان إسلامه قديمًا، قيل: لم يسبقه إلى الإسلام غير ستة من الصحابة، وكانت داره بمكة عند الصفا تسمى "دار الإسلام"، وفيها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتمع بالصحابة قبل أن يجهر بالدعوة، فكانت دار المسلمين السرية، وبيت المسلمين المتخفين من قريش، يجتمعون فيها بنبيهم صلى الله عليه وسلم، يقرأون فيها القرآن، ويتبادلون أخبار مكة، فيها أسلم كبار الصحابة وأوائل المسلمين، وفيها تربت طلائع الدين الجديد التي حملت راية الإسلام عالية حتى انتصرت على كل الرايات، وفيها نشأت النواة الأولى لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
اختار الرسول صلى الله عليه وسلم دار الأرقم ليجتمع فيها بالمسلمين سراً ليس فقط لأنها بعيدة عن أعين المشركين وجواسيس قريش، ولكن لأنها كانت بعيدة عن أن تخطر لهم ببال، فلم يكن إسلام الأرقم معروفًا، وكان فتى لم يتجاوز السادسة عشرة من عمره، ولم يكن يخطر لقريش أن تكون داره هي المركز الذي يتجمع فيه المسلمون الأوائل، وهي إن فكرت في البحث عن مكان اجتماع المسلمين مع النبي صلى الله عليه وسلم فلن تفكر في أن تبحث في بيوت الفتيان الصغار من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، بل يتجه نظرها وبحثها إلى بيوت كبار أصحابه، أو بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كان تحت مراقبة قريش ليل نهار.
هاجر الأرقم إلى المدينة، وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين أبي طلحة زيد بن سهل، وأقطعه داراً بالمدينة، شهد بدراً وأحداً والخندق والمشاهد كلها، ونفله النبي صلى الله عليه وسلم سيفًا، واستعمله على الصدقات، ورغم قدم إسلام الأرقم فليس له إلا ثلاثة أحاديث، له حديث في تفضيل الصلاة بمسجد المدينة على غيره إلا المسجد الحرام، وحديث النهي عن تخطي رقاب الناس بعد خروج الإمام يوم الجمعة، بالإضافة الى حديث السيف الذي وهبه له رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأشهرها جميعاً حديث الخروج إلى بيت المقدس الذي يرويه الزهري بسنده عن الأرقم وفيه: أنه تجهز يُريدُ بيتَ المقدِس، فلما فَرغ من جَهَازه، جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يُودعُه، فقالَ: ما يُخرِجُكَ؟ حاجةٌ أو تِجَارةٌ؟، قال: لا والله يا نبي الله، ولكن أردتُ الصلاةَ في بيت المقدس، فقال النبي: الصلاةُ في مَسْجِدي خَيْرٌ من ألفِ صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام، فجلسَ الأرقم، ولم يَخرجْ، وله رواية في مسند أحمد تحت باب "حديث الأرقم بن أبي الأرقم رضي الله تعالى عنه".
ظل الأرقم يجاهد في سبيل الله، لا يبخل بماله ولا نفسه ولا وقته في سبيل نصرة الإسلام والمسلمين حتى جاءه مرض الموت، ولما أحس رضي الله عنه بقرب أجله أوصى بأن يصلي عليه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، ولما توفي الأرقم كان سعد غائبًا عن المدينة في العقيق، وكان مروان بن الحكم أمير المدينة لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه فأراد أن يصلي عليه فأبى ابنه عبيد، ورفض أن يصلي عليه أحد غير سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وقامت بنو مخزوم معه، ووقع بينهم كلام، حتى جاء سعد فصلى عليه، ودفن بالبقيع سنة خمس وخمسين، وهو ابن بضع وثمانين سنة.