أبو الجاسم محمد محمود
هو سعد بن مالك بن سنان الأنصاري الخزرجي أبو سعيد الخدري مشهور بكنيته، حتى غلبت على اسمه فلا يكاد يعرف به، وهو أخو قتادة بن النعمان الظفري لأمه، وهو أحد البدريين، وأمهما أنيسة بنت خارجة، من بني عدي بن النجار.
فقيه نبيل من مشهوري الصحابة وفضلائهم، قال عنه الذهبي: (هو الإمام المجاهد، مفتي المدينة، شهد يوم الخندق، وبيعة الرضوان، حدث عن النبي صلى الله عليه وسلم فأكثر وأطاب)، وخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني المصطلق، وهو ابن خمس عشرة سنة، وغزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنتي عشرة غزوة، ولم يكن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم من أبي سعيد الخدري بالأحداث.
وكان حاله قريب من حال أهل الصفة، وإن كان أنصاري الدار لإيثاره التصبر، واختياره للفقر والتعفف، ولم يتراجع أبو سعيد عن حق، ولا نكص عن نصيحة واجبة، بل كان يروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: (لا يمنعن أحدكم مخافة الناس أن يتكلم بالحق، إذا رآه أو علمه)، آثر وآخرون من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتجنبوا الفتنة ما استطاعوا الى ذلك سبيلاً، فلجأ إلى غار في جبل، فلحقه رجل من أهل الشام. قال: فلما رأيته انتضيت سيفي فقصدني، فلما رآني صمم على قتلي، فشمت سيفي، ثم قلت: (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ، وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ)، فلما رأى ذلك قال: من أنت؟ قلت: أنا أبو سعيد الخدري، قال: صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟، قلت: نعم، فمضى وتركني.
لازم النبي صلى الله عليه وسلم من صغره، وحفظ عنه صلى الله عليه وسلم سنناً كثيرة، وقد روى "بقي بن مخلد" في مسنده الكبير لأبي سعيد الخدري بالمكرر ألف حديث ومائة وسبعين حديثاً، وفي كتابه:( أسماء الصحابة وما لكل واحد منهم من العدد) وضعه ابن حزم الأندلسي رقم سبعة في المكثرين من أصحاب الألوف، وذكر أن له ألف حديث ومائة حديث وسبعون حديثاً، وذكر صاحب سير أعلام النبلاء أن له في الصحيحين ثلاثة وأربعون حديثاً، وانفرد البخاري له بستة عشر حديثاً، وانفرد مسلم له باثنين وخمسين حديثاً.
روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في كتب الحديث جميعاً، فروى له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة، كما روى عن أبى بكر الصديق (الترمذي)، وعن عمر بن الخطاب (مسلم)، وعن عثمان بن عفان، وعن على بن أبى طالب، وعن معاوية بن أبى سفيان (مسلم والترمذي والنسائي)، كما روى عن أبى موسى الأشعري (البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة)، وعن أسيد بن حضير (البخاري ومسلم والنسائي)، وعن جابر بن عبد الله (مسلم)، وعن زيد بن ثابت (مسلم)، وعن عبد الله بن سلام، وعن عبد الله بن عباس (مسلم والنسائي وابن ماجة)، وعن أبى قتادة الأنصاري (مسلم)، وعن آخرين، وحدث عنه عبد الله بن عباس، وعبد الله ابن عمر، وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، وجماعة من أقرانه، وخلق كثير.
وظل أبو سعيد الخدري قابضاً على جمر الحق حتى وافته المنية، مات سنة خمس وستين، وكان رضي الله عنه قد اختار مكان دفنه في حياته، ودفن حيث أراد في خارج البقيع في الجهة الشرقية الشمالية منه على قارعة الطريق المؤدي للحرة الشرقية.