أبو الجاسم محمد محمود
اختلف في اسمه ونسبه اختلافاً كثيراً، والمشهور المحفوظ أنه جندب بن جنادة بن عبيد بن سفيان بن حرام بن غفار، ينتهي نسبه إلى إلياس بن مضر، وأمه رملة بنت الوقيعة من بني غفار أيضاً، وكنيته أبو ذر الغفاري.
في الجاهلية كان أبو ذر يؤمن أن للكون إلهاً واحداً، وكان يأنف أن يعبد الأصنام، إلى أن سمع بخبر بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم فبادر بالقدوم عليه ليسمع منه، وما أن التقاه حتى آمن به وصدقه وبايعه من فوره، ورجع إلى قومه فدعاهم إلى الإسلام، فأسلم على يديه نصف قبيلة غفار ونصف قبيلة أسلم، وهاجر إلى المدينة في السنة الخامسة الهجرية بعد معركة الخندق، مع المسلمون من غفار وأسلم، وفرح النبي صلى الله عليه وسلم بمقدمهم، وقال: (غفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله).
كان النبي صلى الله عليه وسلم يبتدئ أبا ذر إذا حضر، ويتفقده إذا غاب، وأحب رضي الله عنه رسول الله حبا كبيراً، وفي لقاء له مع النبي قال أبو ذر: يا رسول الله، الرجل يحب القوم ولا يستطيع أن يعمل بعملهم، فقال النبي: (أنت مع مَنْ أحببت يا أبا ذر)، فقال أبو ذر: فإني أحب الله ورسوله، فأعادها النبي عليه: (أنت مع مَن أحببت).
أحب أبو ذر العلم والتعلم ، وكان يقول: لبابٌ يتعلمه الرجل (من العلم) خير له من ألف ركعة تطوعًا، وقال عنه عليّ رضي الله عنه: ذلك رجل وعى علماً عجز عنه الناس، ثم أوكأ عليه، ولم يُخْرج شيئاً منه، وقال صاحب سير أعلام النبلاء: له مائتا حديث وأحدّ وثمانون حديثاً، اتفق الشيخان منها على اثني عشر حديثاً، وانفرد البخاري بحديثين، ومسلم بتسعة عشر، وفي كتابه:( أسماء الصحابة وما لكل واحد منهم من العدد) وضعه ابن حزم الأندلسي رقم خامس عشر في المكثرين من أصحاب المئتين، وذكر أن له مائتا حديث وواحد وثمانون حديثاً.
روى له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى له النسائي عن معاوية بن أبى سفيان، وحدث عنه كثيرون.
وكان رضي الله عنه زاهدًا في الدنيا، لا يأخذ منها إلا كما يأخذ المسافر من الزاد، وكان يحارب اكتناز المال، ويقول: بشر الكانزين الذين يكنزون الذهب والفضة بمكاوٍ من نار تكوى بها جباههم وجنوبهم يوم القيامة، وكان يدافع عن الفقراء، ويطلب من الأغنياء أن يعطوهم حقهم من الزكاة، فسُمي محامي الفقراء، وجعل ديدنه تحريض الفقراء على مشاركة الأغنياء في أموالهم، فاضطرب هؤلاء، ، وكثرت الشكوى منه، وعرض عليه عثمان بن عفان أن يبقى معه ويعطيه ما يريد، قال له: لا حاجة لي في دنياكم، فأمره عثمان بالرحلة إلى الربذة (من قرى المدينة) فسكنها إلى أن مات.
ولما حضرته الوفاة أوصى امرأته وغلامه فقال: إذا مت فاغسلاني وكفناني وضعاني على الطريق، فأول ركب يمرون بكم فقولا هذا أبو ذر، فلما مات فعلا به ذلك، فاطلع ركب فما علموا به حتى كادت ركائبهم توطأ سريره، فإذا عبد الله بن مسعود في رهط من أهل الكوفة، فقال: ما هذا؟، قيل: جنازة أبي ذر، فاستهل ابن مسعود يبكي، وقال: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، يرحم الله أبا ذر، يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده، فنزل فوليه بنفسه حتى أجنه، وكان ذلك سنة (32 هـ).