رئيس مجلس الادارة: نجلاء كمال
رئيس التحرير: محمد أبوزيد
advertisment

عمران بن الحصين فقيه البصرة نموذج في الصبر على المرض

الصحابة الرواة 3-30

المصير

الأربعاء, 13 مارس, 2024

01:28 م

أبو الجاسم محمد محمود

هو عِمْرَان بن حصين وكنيته أبو نُجَيْـد بابنه نجيد‏، أسلم قديماً هو وأبوه وأخته، وبايع النبي صلى الله عليه وسلم على الإسلام والجهاد، وغزا عدة غزوات، وكان صاحب راية خزاعة في فتح مكة.
كان لإسلام أبيه قصة أبكت النبي صلى الله عليه وسلم، يرويها عمران فيقول: إن قريشاً جاءت إلى أبيه الحصين قبل أن يسلم، وكانت تعظمه، فقالوا له: كلم لنا هذا الرجل، فإنه يذكر آلهتنا ويسبهم، فجاءوا معه، حتى جلسوا قريباً من باب النبي، ودخل حصين فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال: أوسعوا للشيخ، وعمران وأصحابه متوافدون، فقال حصين: ما هذا الذي بلغنا عنك أنك تشتم آلهتنا وتذكرهم، فحدثه النبي حتى قال له: يا حصين أسلم تسلم، قال: إن لي قوماً وعشيرة فماذا أقول؟، قال: قل اللهم إني أستهديك لأرشدَ أمري، وزدني علماً ينفعني، فقالها حصين فلم يقم حتى أسلم، فقام إليه عمران فقبل رأسه ويديه ورجليه، فلما رأى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بكى، وحين سئل عن بكائه قال: بكيت من صنيع عمران، دخل الحصين وهو كافر فلم يقم إليه عمران، ولم يتلفت ناحيته، فلما أسلم قضى حقه، فدخلني من ذلك الرقة.
تعلم عمران العلم في مدرسة النبوة، فكان من فضلاء الصحابة وفقهائهم، وكان صادقاً مع الله، ورعاً زاهداً مجاب الدعوة، يتفانى في حب الله ورسوله، كثير البكاء والخوف من الله، وكان يردد: "يا ليتني كنت رماداً تذروه الرياح"، ما جعل الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه يرسله الى البصرة ليُفَقّه أهلها ويعلمهم، وقد أقبلوا عليه يتعلمون من علمه، ويستضيئون بتقواه، فبذل العلم للناس، وأخذ عنه العلم كثيرون، ويروي أهل البصرة أنه كان يرى الحفظة، وأن الملائكة تسلم عليه.
وكان لعمران رضي الله عنه موقف واضح وحازم من الفتنة، وقد رأى أن دماء المسلمين حرام عليهم، ورفع صوته بين الناس داعياً إياهم أن يكفوا عن الاشتراك في حروب الفتنة.
في كتابه: (أسماء الصحابة وما لكل واحد منهم من العدد) وضعه ابن حزم الأندلسي رقم واحد وعشرين في المكثرين من أصحاب المائة، وذكر أن له مئة وثمانون حديثاً، وقال صاحب كتاب (سير أعلام النبلاء): مسنده مئة وثمانون حديثاً، اتفق الشيخان له على تسعة أحاديث، وانفرد البخاري بأربعة أحاديث، ومسلم بتسعة، وكان محمد بن سيرين يقول: كان عمران بن الحصين يعده من ثقات أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث، روى له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة عن النبي صلي الله عليه وسلم، وروي له النسائي عن الصحابي معقل بن يسار.، وحدث عن عمران بن الحصين جمع غفير.
ويضرب عمران بن حصين أروع مثل في الصبر وقوة الإيمان، وذلك حين أصابه مرض شديد ظل يعاني منه ثلاثين عامًا، فقد أصاب بطنه داء الاستسقاء، وشق بطنه، وأخذ منه شحم، وثقب له سرير فبقي عليه ثلاثين سنة، فلم يقنط ولم ييأس من رحمة الله، وما ضجر من مرضه ساعة، ولا قال: أفٍ قط، بل ظل صابرًا مثابراً على عبادة الله، قائمًا وقاعدًا وراقدًا،
وكان قد أوصى أهله وإخوانه حين أدركه الموت:(إذا رجعتم من دفني، فانحروا وأطعموا)، وأوصى لأمهات أولاده بوصايا، وقال: من صرخت عليَّ، فلا وصية لها، وتوفي بالبصرة (53هـ).