رئيس مجلس الادارة: نجلاء كمال
رئيس التحرير: محمد أبوزيد
advertisment

محمود عبد الكريم يكتب عن الفرائض الغائبة في مصر

المصير

الإثنين, 4 مارس, 2024

07:13 ص



يقول جان بول سارتر (1905-1980) وهو فيلسوف وناقد أدبي وروائي وكاتب قصة قصيرة وكاتب مسرحي فرنسي، من أشهر أدباء القرن العشرين ، قدم نفسه للعالم من خلال مؤلفاته وأعماله الأدبية والفلسفية المتعددة، أبرزها قصصه "الغثيان" (La Nausée) و"الجدار" (Le Mur)، ومسرحياته "الذباب" (Les Mouches) و"خلف الأبواب الموصدة" (Huis Clos)
يقول :أينما حل الظلم فنحن الكتاب مسؤلون عنه وعلى الكاتب أن يسمى الأشياء ، لأن اللغة توحى لنا الفكرة وتسمية الشيء توجد هذا الشيء وتجعله حقيقة.

فمثلا اضطهاد السود فى أميركا ليس شيئا، مالم لايوجد كتاب يقولون أن السود فى أميركا مضطهدون، وقبل أن يكتب أحد الكتاب عن العبيد ويقول أنهم مضطهدون، ما كان أحد عرف أنهم مضطهدون.


وتلك هى الفريضة الأساسية الغائبة الآن فى مصر أن أحدا لا يقول أن هناك سلبيات كبيرة فى الحياة السياسية فى مصر، بل فى كل مناحى الحياة للأمة المصرية، بعد أن تم تهميش دور الإعلام وتحجيمه، بل ووقف التعيينات فى كبريات الصحف القومية، بكل تاريخها، والاعتماد على صحافة رجال الأعمال، وهي صحافة تحت السيطرة، والأعتماد على أهل الثقة من أنصاف الموهوبين فى صحافة يجرى العمل على قدم وساق لتحل محل الصحافة القومية العتيقة كالأهرام والأخبار وجريدة ثورة يوليو الجمهورية، وأقدم وأجرأ مجلة سياسية مثل روز اليوسف، التى هزت عروش حكومات و ملوك يوما ما، قبل أن يتم تدجينها مثل بقية الصحف الحكومية.


لقد أصبحت مصر أمام العالم الحر والديموقراطى دولة بلا أنياب، أو وحش تطاولت عليه الغربان الخفافيش.

ذلك أنه تم تقييد الحريات والإبداعات، وحركة المبدعين فى التنوير، بعد أن تم الأعتماد على بعض الوجوه المرفوضة شعبيا، فضلا عن وجوه تم تجنيدها إعلاميا ضد المصالح والسياسات المصرية، بل ومنح هؤلاء جنسيات دول أخرى كنوع من الحصانة إذا ماتم الانتباه لما يبثون من سموم فى المجتمع المصرى.

نحن الآن لدينا اعلاميون وكتابا ساوموا على ضمائرهم، وباعوه بأرخص الأثمان، مقابل مصالح فردية لا تساوى حبه من تراب الوطن، حتى أن احدهم بعد أن كان يتجول بين الصحف يسأل الله الستر، ويعانى شظف العيش أنشىء له مؤسسة صحفية لها فروع فى ثلاث دول على الأقل.

وآخر له قصر فى الإمارات وشقق فى باريس ولندن !


والحرية فى هذا التوقيت بالذات مطلوبة لتصحيح الكثير من السلبيات التى افرزتها السنوات الماضية جعلتنا بعد الثورة على عهد مبارك نراوح أماكننا ذلك أننا استخدمنا نفس الوجوه ونفس السياسات وكأننا نعاند الشعب الذى بدأيضجر !!


نحن الآن لم يعد لدينا مسرح جاد ولاكتاب مبدعين ولا سينما تسجل الواقع ولا أدباء يلهمون الشعب ويوجهون طاقاته نحوالعمل الجاد والتعامل بشفافية وتجاهل كلمات الوعاظ ورجال الدين المسيسين والذين يعملون على تحويل الشعب الى شعب من الدراويش والبهاليل يحفظون روزنامة المواسم والأعياد الدينية وأيام الصيام وأيام الأفطار والأذكار الصباحية والمسائية وينتظرون الحكمة من أفواه خالد الجندى ومحمد حسان !


وفى تاريخ الثورات نجد أنها لاتقوم إلا إذاسيطرت طبقة معينة على المجتمع ومقدرات الأمة، وهى طبقة غير منتجة فى الغالب، وتنفصل تدريجيا عن الشعب ومتطلباته وتكون شبكة من اصحاب المصالح المتشابكة لا دور فيها للشعب الكادح.
وأعنى بذلك أن الثورة على الأوضاع المقلوبة فى أى دولة لاتقوم إلاعندما تظهر طبقة جديدة تسيطر على أدوات الأنتاج، وتغير مركزها الاقتصادى والاجتماعى والسياسي أيضا.

وأمام الرئيس السيسي فى فترة ولايته الجديدة التى ستبدأ بعد أسابيع فرصة ذهبية لنسف كل الأوضاع السلبية البائسة التى نعيشها منذ سنوات وتغيير الوجوه التى احترقت والتى ورثها من عهد مبارك.


وأول هذه الأوضاع التي تحتاح للتغيير ، هو إطلاق الحريات وخاصة حرية النقد والاصلاح الدينى.

فليس معقولا أن يتحكم شخص واحد فى ماهية خطبة الجمعة، مثلا إذ يبدو كما لوكان يقود الأمة دينيا وكأنه نبي العصر الحالى، وواعظه الأمثل.

وهو لايعلم أن التحذيرات القرآنية، لاتردع الظالم عن ظلمه، فالظلم حين يسود لايعلم الظالم انه ظالم، إذ هو يسوغ ظلمه ويبرره ويتأول فيه فيجعله وكأنه هوالعدل بعينه.

والفقهاء والوعاظ على شاكلة الجندى وجمعة ويعقوب وحسان، بارعون فيما يمكن أن نسميه الحيل الشرعية، أو الفتاوى جاهزة التفصيل.

ويجدوا مسوغا شرعيا لكل عمل يغضب الناس أو يثير حنقهم، ونحن شعب طيب لا يغضب بسرعة، ويبتعد دائما عن الحماقة ويعشق بلاده فقليلا من العدل وتكافؤ الفرص سيجعل مصر فى مكان آخر