حاربت إسرائيل جيرانها العرب في ستة حروب، في 48 و56 و67 و73 وفي لبنان 82 و2006، وشنت ستة حروب على غزة وحدها، أول الحروب الإسرائيلية على غزة أطلقت عليها إسرائيل اسم عملية "أمطار الصيف" وجرت وقائعها سنة 2006 على مدار شهر كامل من 27 يونيو بعد خطف الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط من قبل المقاومة الفلسطينية بيومين، وقالت إسرائيل وقتها إنها تهدف إلى إطلاق سراح الجندي المحتجز جلعاد شاليط، ووقف إطلاق الصواريخ باتجاه جنوب إسرائيل، وكشف وتحديد شبكة الأنفاق المستخدمة في هجمات فصائل المقاومة الفلسطينية.
بعد شهر وفي 26 من نوفمبر توقف إطلاق النار بعد أن فشلت إسرائيل في تحديد مكان احتجاز شاليط، والذي استمر احتجازه حتى 18 أكتوبر 2011 وتضمنت صفقة الإفراج عنه إطلاق سراح 1027 فلسطينيًا من سجون إسرائيل كان من بينهم يحيى السنوار الذي يقود الحرب السادسة التي بدأت في السابع من أكتوبر 2023.
في الحرب الثانية التي شنتها إسرائيل على غزة تحت مسمى عملية "الرصاص المصبوب" كان هدفها كذلك هو وضع حدٍ للهجمات الصاروخية التي كانت تستهدف إسرائيل من قبل التنظيمات الفلسطينية المسلحة.
استمر اطلاق الصواريخ يوميًا خلال فترة النزاع التي امتدت إلى 22 يومًا، وقامت كتائب القسام وغيرها من فصائل المقاومة الفلسطينية باطلاق مئات الصواريخ وقذائف الهاون على جنوبيّ إسرائيل ووسطها.
14 نوفمبر عام 2012، تحت مسمى معركة "عمود السحاب" استهدف الجيش الإسرائيلي أحد قادة الجناح العسكري لحركة حماس في محاولة جديد لتوجيه "ضربةٍ موجعة"، إلى تنظيمات المقاومة الفلسطينية، والقضاء على قدراتها الصاروخية، وفشلت في تحقيق أهدافها وتم التوصل إلى وقفٍ لإطلاق النار مساء 21 نوفمبر 2012.
بعد سنتين وفي 2014 عاودت إسرائيل الحرب على غزة فيما أسمتها عملية "الجرف الصامد"، ولرابع مرة كان الهدف المعلَن للعملية الإسرائيلية وقف إطلاق الصواريخ الفلسطينية على إسرائيل، ومنع المزيد من الهجمات، ورغم أن الحرب استمرت لمدة 50 يومًا إلا أنها فشلت في تحقيق هدفها الرئيسي.
بعدها كانت الحرب الإسرائيلية على غزة سنة 2021 والتي أسمتها عملية "حارس الأسوار" بدأت في 10 مايو 2021 وانتهت في 21 من الشهر نفسه بهدنة، وفشلت بدورها في أن تحقق أهدافها.
بعد سنتين وجدت إسرائيل نفسها متورطة في الحرب السادسة على قطاع غزة خلال 15 سنة بعدما استطاعت كتائب القسام وسرايا القدس وغيرها من فصائل المقاومة الفلسطينية في تحقيق المفاجأة الاستراتيجية في المعركة التي أطلقوا عليها اسم "طوفان الأقصى" ولأول مرة يبادر طرف عربي بالهجوم على إسرائيل داخل الأراضي التي تحتلها وقتلت العشرات وأسرت المئات من قيادات الجيش وجنوده إلى جانب عدد كبير من مواطني إسرائيل.
منذ اليوم التالي بدأت إسرائيل في شن غارات جوية وبحرية على قطاع غزة ثم دخلت الحرب البرية بعد عشرين يومًا عقب تحشيد الآلاف من قوات الاحتياط، وهي اليوم بعد ثلاثة أشهر ما تزال تخوض في أكبر وأشرس عملية قتل للفلسطينيين وتدمير كل مقومات الحياة على أرض القطاع وتهجير ونزوح وتجويع وتعطيش ما يزيد عن مليوني إنسان، وكان الأطفال والنساء على رأس الأهداف التي صوبت إسرائيل لهما كل أسلحة القتل والترويع.
تسعون يومًا لم تستطع آلة الحرب الإسرائيلية في أن تحقق أيًا من الأهداف الموضوعة لحربها العدوانية القذرة على غزة وأهلها وأطفالها والشجر والحجر وكل كائن حي على أرضها، ومع ذلك ما يزال نتنياهو يكثر الحديث عن اليوم التالي للحرب في غزة، ويعقد الاجتماعات لحكومته ولمجلس حربه لتقرير وضع غزة بعد أن تتوقف المجازر وتسكت المدافع.
يشغل نتنياهو الإسرائيليين والعالم بالحديث عن "اليوم التالي في غزة" لكي يبعد نفسه عن الحديث الذي بدأت أصوات كثيرة في إسرائيل تردده عن "اليوم التالي في إسرائيل".
يعرف نتنياهو أن أول معالم اليوم التالي للحرب في إسرائيل سيكون سقوط حكومته، بعد أن تدنت شعبيته وشعبية حزبه وكل التحالف اليميني الذي يقوده باعتباره المسئول أمام المجتمع الإسرائيلي عن حزمة من الفشل المتعدد الأوجه الذي يبدأ بالفشل الاستخباراتي ولا ينتهي عند الفشل الأمني والعسكري والفشل الأكبر في تحقيق أيٍ من الأهداف المعلنة للحرب.
في اليوم التالي للحرب على غزة ستواجه إسرائيل نفسها عارية من غرور القوة التي لا تقهر، ومن نظريات الأمن الذي لا يجرؤ أحد على تهديده، سوف تجد نفسها بعد أن يسكت الصخب السياسي أمام الحقيقة ناصعة لتعرف أنها استنامت طويلًا على وهم قوة أجهزتها الأمنية في الحفاظ على أمن الكيان فضلًا عن وهم اليد الإسرائيلية الطولي التي يمكنها أن تصل إلى اعدائها أينما وحيثما وجدوا.
يتجنب نتنياهو الحديث عن "اليوم التالي لحرب غزة في إسرائيل" لأنه وحزبه وتحالفه لم يعد ضمانة هذا الأمن، وسقطت كل مقولاته التي ظل يرددها طوال فترة 16 سنة حكم فيها الكيان وذهبت نظرياته الأمنية أدراج الرياح التي هبت على إسرائيل مع عملية "طوفان الأقصى".
أسئلة اليوم التالي في إسرائيل تبدأ من الشكوك الكثيفة التي تتعلق بها كأداة ردع إقليمية تؤدى المهمات التي زرعت في المنطقة لكي تقوم بها بالكفاءة المطلوبة، خاصة وقد أغدقت عليها الأموال والأسلحة والمرتزقة والمعلومات الاستخباراتية من الأقمار الصناعية والتعاون اللامحدود من كل دول الغرب إلى حد المشاركة الفعلية والعملية من البحر والجو بالأساطيل وحاملات الطائرات والبوارج والغواصات النووية.
بدت إسرائيل بعد السابع من أكتوبر وكأنها تواجه مصيرها المحتوم، وتبدت في حاجة ماسة لمد يد العون للحفاظ على وجودها، وثبت أنها لم تعد قادرة على انجاز مهمة إعادة تشكيل الأوضاع في المنطقة العربية وفق المصالح الغربية وحسب ما يريد التحالف الغربي الذي يستخدمها للحفاظ على مصالحه في الشرق الأوسط.
السؤال الأبرز الذي ستجد إسرائيل نفسها في مواجهته كذلك هو سؤال القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في دولته المستقلة التي تحقق شروط الأمن وتحفظ سلامها وتكافيء تضحيات الآلاف الذين استشهدوا في سبيل حريتها واستقلالها، وتحقق طموحات ملايين الفلسطينيين في تقرير مصيرهم وتحقيق آمالهم والحصول على حقوقهم المشروعة.
لم تعد إسرائيل تخيف أحدًا، ولم يعد خيار السلام الذي يعني الاستسلام خيارًا مطروحًا تفرضه إسرائيل بمعاونة أمريكية على الأطراف العربية، وفي اليوم التالي للحرب ستجد إسرائيل نفسها أمام وضع جديد مع كل الأطراف العربية الرسمية تلك التي تحمست قبل الحرب للدخول في صفقات تطبيعيه معها، وستجدها فاقدة للحماس في المضي قدمًا في هذا الطريق على الأقل بنفس الحماس السابق.
أسوأ ما ستواجهه إسرائيل في اليوم التالي للحرب على غزة هو سقوط أوهام القوة وسياسة الأمن القائم على الردع، وأن الركون إلى الأوهام في استمرار الأوضاع القائمة لم يعد قادرًا على الحفاظ على وجود إسرائيل نفسها مع تزايد الحديث داخل المجتمع الإسرائيلي (المتدين والعلماني) عن عقدة العقد الثامن حيث تهاوى من قبل الكيانان اليهوديان وآل كل منهما للسقوط في العقد الثامن الذي يُطل على الكيان الثالث في إسرائيل ويثير الرعب والخوف من بوادر تؤيده وعلى رأسها ما جرى لها في يوم 7 أكتوبر من العام الماضي وتوابعه التي تنذر بأخطار فوق طاقة احتمالها.