رئيس مجلس الادارة: نجلاء كمال
رئيس التحرير: محمد أبوزيد
advertisment

محمد الغريب يكتب: حلوة الحلوات الخالية من السكر

المصير

الأحد, 24 ديسمبر, 2023

10:44 م

اشعلت كلمات علي الحجار في «بوابة الحلواني»: «اللى بنى بنى مصر كان فى الأصل حلواني، وعشان كده مصر يا ولاد مصر ياولاد حلوة الحلوات»، حماس المصريين تعبيرًا عن الاعتزاز والفخر بوطنهم، والإيمان برونقه وجمال شعبه، وأن بُناته قد ساهموا في إثراء الحضارات الإنسانية بإبداعاتهم وإنجازاتهم.

إلا أن الحلواني ترسخت في أذهانهم جنبًا إلى جنب، مع الحرفي المتقن ببائع السكريات التي لا تخلو موائدهم، أفراحهم، وأعيادهم منها، الأمر الذي دفعهم إلى النبش عمن أحسن صنيعة قاهرتهم وجعلها على أكمل ما تكون المدن لتسر الناظرين، فكانت لهم مفاجأة سارة.

فالحلواني الذي بحث الكثيرون عنه بين دفتي التأريخ نبشًا كان نتاجه الكشف عن صنعة جوهر الصقلي قبل الالتحاق بجيش عبيدالله المهدي الملقب بالمعز لدين الله الفاطمي، فقد عمل بائعًا للكنافة والحلوى، قبل أن يكون التحاقه بجيش الفاطميين وبناء مدينة القاهرة إيذانًا بميلاد «حلوة الحلوات»، إلا أنه مع تقدم الزمان أضحى الحلواني تاجرًا أعيته رحلة البحث عن حِفنة السكر المدعومة بـ 27 جنيهًا من دكان الوزير التعيني لحقبة ما دون الأنقاض كي ينقذ صنعته وتاريخه.

بائع لم تعد بضاعته «حلوة الحلوات» كما اشتهرت مرتبطة قبل زمن بالسكر وما تفرع عنه من شربات ومربى، بل على النقيض صارت «مُرة المرة»، وتواجه شبحًا من التلاشي والاندثار تحت ركام الأسعار والسوق السوداء؛ يخشى أن يصبح لسلعته الرائجة منذ فجر التاريخ بلفظ «الحلوى» أن تبحث عمن يترجمها رفقة حروف الهيروغليفية المنقرضة أو أن ينجح في تدوينها على الأعمدة للذكرى.

فبات الحلواني منزوع السكر في طريقه أن يصبح بعد برهة معروفًا بـ «صانع الملح الحلو» كما أسمته أوروبا في عصورها القديمة بعد فترة من الجهل به، ليضحى الاسم في حاضرنا معبرًا عن حقيقة دون مجاز، وقد لا يجده القوم وهو السلعة المتجهة لأن تصير ضمن المرفهات «الممنوع تداولها للطبقة الأدنى».

كان إعلان هيئة الرقابة الإدارية عن تورط مستشار الوزير للرقابة وآخرين في جريمة التلاعب بالسكر وتهديد موائد المصريين في أعز ما تملك يجعلنا نتساءل: هل أضحت حلوة الحلوات في الطريق لأن تكون خالية من السكر؟!، ماذا لو لم تكن المسألة سحابة عابرة خلقتها تحديات الدولة العميقة، فتعود الحياة سيرتها الأولى دون قيد أو شرط؟!

وختامًا لم يفزعني ما قرأت بشأن مستشار اللا مصلح ومافيا السكر، وما أعقبه من إعلان التثبيت عند حاجز الـ 27 جنيها بقيود، لتلك السلعة المستباحة شأن سلع وعملات، قدر ما هالني أن تقنن أوضاع المافيويات بتلك الصورة الساذجة والمطابقة كربونًا من سابقتها، فيا حبذا لو احترفت صنعة الكذب وأساليب النظام المافيوي لكان خيرا للجميع.