كتبت- رحاب سعودي
إذا كنت من سكان المعادي فلا شك أنك تعرف جيدا "مسجد حسين صدقي" بل لعله شهد على أجزاء من تاريخ حياتك وذكريات طفولتك وشبابك، وإن كنت من غير قاطنيها فحين تبحث عن المعادي وتراثها المعماري ستجد أمامك اسم المسجد بوصفه واحدا من أبرز معالمها. فالمسجد في غاية الفخامة، أبوابه الزجاجيةالفريدة من نوعها في المساجد تعطيك انطباعا بالفخامة، ، َالمسجد مفروش بسجاد أنيق يبدو عليه أنه باهظ الثمن، حينما تدخل هناك تشعر بروحانيات عالية، في مدخل المسجد تجد صورة نادرة لجمال عبد الناصر ومحمد نجيب وأعضاء مجلس قيادة الثورة وهم يصلون الجمعة هناك، أنوار المسجد ولونه الأبيض ودرجات سلمه الأبيض تبعث على الراحة والطمأنينة والسعادة الداخلية
وللأسف في ظل التطورات الإنشائية السريعة التي تشهدها منطقة المعادي والتي شوهت طابعها المعماري التاريخي، أثيرت تساؤلات وجدل حول مستقبل مسجد حسين صدقي، وتزامن هذا الحديث مع التعديلات التي تجري على كورنيش المعادي لتحويله إلى ممشى سياحي جديد، مما أثار المخاوف بشأن مصير هذا المسجد الذي يحمل قيمة دينية وثقافية عميقة، وهل سيتم التفكير في تحويل المسجد كما يشاع إلى ممشى للعشاق، وكيف سيتفاعل المجتمع مع هذه الفكرة في ظل التوتر بين التطوير الحضري والحفاظ على الهوية الثقافية؟
ولمن لا يعرف حسين صدقي مؤسس المسجد، فهو أحد رواد السينما المصرية، حيث ولد يوم 9 يوليو عام 1917 بحي الحلميةالجديدة بالقاهرة لأسرة متدينة، وتوفي والده وهو لم يتجاوز الخامسة، فكانت والدته التركية لها الدور الأول والأهم في تنشئته ملتزما ومتدينا فكانت حريصة على أن يذهب ابنها للمساجد والمواظبة على الصلاة وحضور حلقات الذكر والاستماع إلى قصص الأنبياء مما أنتج عنه شخصا ملتزماً وخلوقاً.
عُرف عن صدقي الخجل ولقّبه كل من حوله بالشخص بالفنان الشيخ ، وارتبط بصداقة قوية بالشيخ محمود شلتوت والذي وصف صدقي «بأنه رجل يجسد معاني الفضيلة ويوجه الناس عن طريق السينما إلى الحياة الفاضلة التي تتفق مع الدين»، كما ارتبط أيضا بصداقة قوية مع الشيخ عبد الحليم محمود شيخ الأزهر وقتئذ، وكان صدقي يستشيره في كل أمور حياته.
ومن الناحية الفنية بدأ صدقي حياته السينمائية في فيلم (تيتاوونج) عام 1937 وهو من إخراج أمينة محمد، ثم أسّس شركته السينمائية «أفلام مصر الحديثة» وكانت باكورة إنتاجها فيلم (العامل).
ومنذ دخوله عالم الفن في أواخر الثلاثينيات عمل على إيجاد سينما هادفة بعيدة عن التجارة الرخيصة، حيث عالجت أفلامه بعض المشكلات، مثل: مشكلة العمال التي تناولها في فيلمه «العامل» عام 1942، ومشكلة تشرد الأطفال في فيلمه «الأبرياء» عام 1944 م، إضافة إلى فيلم العزيمة الذي تم انتاجه عام 1939 والمصنف أولا في قائمة أفضل 100 فيلم في السينما المصرية، وغيرها من الأفلام الهادفة، لتخدم الأهداف التي كان يسعى لترسيخها في المجتمع، حيث كان يرى أن هناك علاقة قوية بين السينما والدين؛ لأن السينما كما يقول من دون الدين لا تؤتي ثمارها المطلوبة في خدمة الشعب.
واشتهر حسين صدقي بتقديم الأفلام ذات الطابع الاجتماعي والذي يبث قيم ومبادئ عليا، ولعل صداقته بعدد من رجال الأزهر الشريف هو ما دفعته لاستلهام تلك القصص السينمائية، حيث بلغ رصيده الفني حوالي 32 فيلما سينمائيا عالج من خلالها العديد من المشكلات.
واقتحم العمل المسرحي من خلال عمله بفرقة «جورج أبيض» و «مسرح رمسيس». و في مطلع 1956 دعا صدقي عبر مجلة «الموعد» الصادرة في يناير 1956 إلى انقلاب فني حيث دعا العقليات الفنية الموجودة آنذاك بأن يهجروا الآفاق الضيقة التي يعملون بها ويواجهوا الغزو الأجنبي بغزو مصري وعربي آخر، فكان يدعو لاستخدام أحدث تقنية في ذلك الوقت الألوان والسكوب في إنتاج الأفلام المصرية وإنطلاقها بشتى اللغات لتقديمها لشتى شعوب العالم والحرص على إنتاج سينما نظيفة.
واعتزل حسين صدقي السينما في الستينات، وقام بالترشح في البرلمان، وذلك بعد أن طالبه أهل حيّه وجيرانه بذلك فكان حريصا على حل مشاكلهم وعرض مطالبهم ولكنه لم يكرر التجربة، لأنه لاحظ تجاهل المسئولين للمشروعات التي يطالب بتنفيذها والتي كان من بينها منع الخمور في مصر.
أما عن مسجده، فهو أشهر مساجد حي المعادي، حيث شيده حسين صدقي بجوار مسكنه في عام 1954، وتم افتتاحه بحضور رئيس الجمهورية آنذاك، محمد نجيب، ورئيس الوزراء جمال عبد الناصر.
وفي عام 2011، صدرت ثلاثة قرارات إزالة ضده بسبب التوسعات التي قام بها نجله، ورغم ذلك، بقي المسجد وتوسعاته حتى الآن، مما أدى إلى إقالة مسؤولين في الوحدة المحلية لعدم تنفيذ قرار الإزالة.
وكان المسجد شاهدا على ثورة يناير حيث انطلقت منه التظاهرات وكان منبرًا لخطب العديد من الدعاة، بما في ذلك الداعية اليمني عمر بن محمد بن حفيظ، كما اشتهر بأنه مكان لإقامة جنازات الشخصيات البارزة، ومنهم الكاتب الصحفي سعد هجرس.
ورغم أن نجل حسين صدقي حافظ على المسجد من التيارات الدينية، لكن يظل اسم المسجد مرتبطًا بالزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، الذي كان يحرص على أداء الصلوات فيه منذ صغره.