كتبت: رؤى حسنين
توقع عدد من خبراء الاقتصاد أن تؤتي مساعي الحكومة ومحاولاتها لحل أزمة الدولار بحلول غير تقليدية يتم اللجوء إليها لأول مرة، بثمار إيجابية خلال الشهور الأولى من عام 2024، متوقعين أن تسهم تلك الأدوات والحلول في تخفيف الضغط على الدولار وما من شأنه خفض أسعاره بالسوقين الرسمي والموازية، وهو ما سيسهم في حدوث انفراجة قريبة في الاقتصاد المصري.
وأكد الخبراء في تصريحات خاصة لـ " المصير" ، أنه نظرا لعدم قدرة الطرق التقليدية لزيادة الايرادات الدولارية، وهي المصادر المعتادة للعملة الصعبة كالصادرات والسياحة وايرادات قناة السويس وتحويلات المصريين من الخارج، عل تلبية الاحتياجات المتزايدة من الدولار الأمريكي، فإنها اضطرت إلى ابتكار حلول غير معتادة وتجربة أدوات غير تقليدية اجتهادا للحد من أزمة شح الدولار ووضح حد لاشتعال سعره أمام الجنيه المصري بالأسواق.
من أبزر الأدوات غير التقليدية لتخفيف الطلب على الدولار، الانضمام لاتفاقية البريكس، ومبادلة العملات المحلية مع الامارات وتركيا، مبادلة الديون والقروض مع الصين مقابل مشروعات تنموية وأسهم بشركات ببرنامج الطروحات الحكومية، كذلك طرح برنامج الطروحات الحكومية لنحو ٥٠ شركة وأصل للدولة أمام مستثمرين محليين وأجانب من أجل زيادة الحصيلة الدولارية.
ومجموعة "بريكس" ، والذي سيتم تفعيل عضوية مصر بها يناير 2024، هي منظمة سياسية بدأت المفاوضات لتشكيلها عام 2006، وعقدت أول مؤتمر قمة لها عام 2009، وكان أعضاؤها هم الدول ذات الاقتصادات الصاعدة وهي البرازيل وروسيا والهند والصين تحت إسم "بريك" ، ثم انضمت جنوب أفريقيا إلى المنظمة عام 2010 ليصبح اسمها "بريكس"، وتهدف مجموعة بريكس إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري بين الدول الأعضاء وتنسيق المواقف في القضايا العالمية والإقليمية وتعزيز التنمية المستدامة.
وتشكل المجموعة ما يقرب من 40% من سكان العالم، و25% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وتعتبر قوة اقتصادية صاعدة، ولاعبًا رئيسيًا في الاقتصاد العالمي، وتسعى إلى إصلاح النظام المالي العالمي وتعزيز دورها في صنع القرار العالمي.. ويعد أبرز الجوانب الإيجابية للانضمام للمنظمة هو التعامل بالعملات المحلية للدول الأعضاء دون الحاجة للدولار الأمريكي.
وبدأت الحكومة في عام 2023 برنامج الطروحات والذي يفيد بطرح شركات وأصول حكومية أمام مستثمرين محليين وأجانب، وذلك بغية زيادة الايرادات الدولارية وتجاوز ازمة شح الدولار الحالية.
وقال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، خلال مؤتمر صحفي أمس، إن البلاد حققت 5.6 مليار دولار كحصيلة للتخارج الكلي والجزئي من شركات حكومية ضمن برنامج الطروحات، مشيراً إلى أنها انتهت من 14 شركة ضمن هذا البرنامج.
وأضاف أن مصر تدرس مع مؤسسة التمويل الدولية تأهيل 50 شركة حكومية لضمها لبرنامج الطروحات، وأن التأمين والبنوك ضمن القطاعات ذات الأولوية، لافتاً إلى أن قطاعي المطارات والاتصالات سيشهدان مزيداً من الشراكة مع القطاع الخاص مستقبلياً.. ويعد أحدث صفقة للحكومة في هذا البرنامج، توقيع اتفاقية استحواذ "آيكون" التابعة لـ"طلعت مصطفى" على حصة في "ليجاسي" للفنادق.
كما وقع البنك المركزي المصري، ومصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي، قبل نحو شهرين، اتفاقية ثنائية لمبادلة العملة المحلية للبلدين، تتيح للطرفين مقايضة الجنيه المصري والدرهم الإماراتي بقيمة اسمية تصل إلى 42 مليار جنيه مصري و5 مليارات درهم إماراتي.
واتفقا وزير التجارة والصناعة المصري المهندس أحمد سمير مع نظيره التركي ، من حيث المبدأ ، على التبادل التجاري بالعملات المحلية جزئيا، و أن يكون التبادل التجاري بالعملات المحلية بنسبة 25% أو 30% فقط من إجمالي حجم التبادل التجاري وذلك بشكل مبدئي، وذلك بهدف تخفيف الطلب على الدولار والذي تعاني منه نقصه كلا من البلدين.
وقال مجلس الوزراء المصري، إن مصر والصين وقعتا مذكرة تفاهم في مجال مبادلة الديون من أجل تنفيذ مشروعات تنموية، وتهدف مذكرة التفاهم إلى تعزيز التعاون بين البلدين في مجال مبادلة الديون من أجل تنفيذ مشروعات تنموية، والتي تعد إحدى الأدوات التمويلية المبتكرة التي تعمل على دعم جهود الحكومة المصرية بالشراكة مع الجانب الصيني لتحقيق التنمية المستدامة، وذلك من خلال استخدام شرائح من المديونية الصينية لتنفيذ مشروعات تنموية يتفق عليها الجانبان.
من جتهته، قال الدكتور هاني توفيق الخبير الاقتصادي، تفعيل انضمام مصر إلى منظمة البريكس مطلع عام 2024، سيكون له أثر ايجابي على الطلب على الدولار، حيث سيعمل بشكل ما على خفض الطلب على الدولار، لعدم الحاجة إليه في التبادل التجاري مع دول منظمة البريكس، وهو ما من شأنه خفض سعره بالسوق المحلي، والتخفيف بشكل كبير من حدة ازمة الحاجة للدولار واشتعال سعر ،وفقا لنظرية العرض والطلب.
غير أنه في الوقت نفسه، كشف عن ازمات أخرى قد نواجهها بعد تفعيل الانضمام إلى منظمة البريكس، وهي الحاجة لوجود وفرة من العملات الاجنبية الاخرى، عملات دول اعضاء البريكس، التي سيتم التعامل بها.
وأوضح توفيق أنه ليس معنى التبادل التجاري بعملات دول المجموعة ان مشكلة العملة الصعبة تم حلها، وذلك لانه سنكون في حاجة لوفرة من عملات أخرى مثل الروبل والين وغيرها من عملات الدول الاعضاء، يعني ذلك انه سيتم تخفيف الطلب على الدولار ، وفي المقابل فنبدأ رحلة البحث عن عملات اخرى نعاني ايضا منها نقص وشح كبيرين بالسوق المحلي.
وأشار إلى أن صعوبة توفير هذه العملات سيتركز خلال الأشهر الاولى من تفعيل الاتفاقية خلال العام الجديد، وذلك لعدم توافر الكافي من العملات المطلوبة للتداول، إلا أنه بالتأكيد سيتم استيعاب هذه المشكلة تدريجيا مع مواصلة التبادل التجاري واستمراره، وبالتالي تحقيق الوفر المطلوب من العملات الاجنبية الأخرى.
من جهتها، قالت الدكتورة سهر الدماطي الخبيرة الاقتصادية أن هناك عدة مؤشرات ايجابية تجعلنا نتفائل باستطاعة مصر التغلب على أزمة الدولار خلال عام 2024، منها برنامج الطروحات الحكومية التي بدأت تنتهجه الحكومة لزيادة مواردها من الدولار، مؤكدة ان ذلك البرنامج جيد للغاية وسيسهم بشكل كبير في تحقيق ايرادات دولاية قيمة ما يساعد في تغطية احتياجات السوق من الدولار وزيادة المعروض منه، كذلك يعمل في نفس الوقت على تشجيع القطاع الخاص وجذب استثمارات اجنبية جديدة للبلاد.
وأضافت الدماطي أن اتفاق مقايضة قروض مصر من الصين مقابل اسهم في الطروحات التي تطرحها الحكومة في شركات وفنادق وأصول حكومية مختلفة، يعد من أهم الأدوات التي من شأنها تخفيف حدة الطلب على الدولار خلال الفترة المقبلة، حيث ان حجم قروض مصر من الصين تقدر بنحو 8.5 مليار دولار، وهو مبلغ كبير ، لذلك فإنه استبدال رده بالدولار إلى أسهم في الطروحات اتجاه جيد وسيكون له مساهمته الايجابية في التحرر من ضغط أزمة الدولار.
وتابعت: أن أيضا اتفاقية مبادلة العملات المحلية مع دولة الإمارات العربية المتحدة، من أبرز الادوات غير التقليدية التي بدأت تتجه أليها مصر لخفض الطلب على الدولار، مؤكدة أن ذلك سيكون له مردود إيجابي للغاية على سعر الدولار بالسوق المحلي خلال بضعة أشهر مقبلة، موضحة أن من الضروري مد اتفاقية مبادلة العملات المحلية مع عدد اكبر من الدول، وذلك للحد من هيمنة الدولار على المعاملات المالية الدولية، لافتة الى ان ذلك سيلقى قبولا وترحيبا كبيرا لدى كثير من الدول لمواجهته تحديات مشابهة باقتصادها نتيجة نقص الدولار.
فيما اكدت الدماطي كذلك اهمية الانضمام الى منظمة الريكس ودورها المهم في تحصيل مكاسب اقتصادية عديدة، واهمها خفض الضغط على الدولار واستبداله بالعملات المحلية للدول الأعضاء، مؤكدا أهمية الدول المشاركة في الاتفاقية ، حيث تضم دول مهمة كروسيا والصين والهند وكذلك الامارات والسعودية وجنوب افريقيا، مشيرة إلى أنها كلها دول يكثر التبادل التجاري، وتزيد الاتفاقية من فرص توسيع التبادل التجاري معها مستقبلا.
وقال الدكتور ضياء حلمي الفقى الأمين العام المؤسس لغرفة التجارة الصينية بالقاهرة، أن مجموعة البريكس تمثل أهمية اقتصادية كبيرة للغاية، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية العالمية الراهنة، مؤكدا أن انضمام مصر للبريكس خطوة إيجابية للغاية، بل وتعد قفزة كبيرة نحو مرحلة اقتصادية أفضل، حيث سيكون له انعكاسات طيبة على تطور الاقتصاد المصري السنوات المقبلة.
واوضح الفقي أنه تستند أهمية انضمام مصر لمجموعة البريكس على أسس واعتبارات متعددة، من أهمها أن دول مجموعة البريكس تمثل اكثر من 40% من سكان العالم ، والآن وبعد انضمام مصر وخمس دول أخرى سيكون تعداد مجموعة البريكس الجديد ما يقارب 50% من سكان العالم ، خاصة أن الاقتصاد المصري واعد ، ومصر دولة عربية وإفريقية وشرق أوسطية كبيرة ومؤثرة، الامر الذي يعني اقتصاد متنوع لدول المجموعة ، وأسواق جديدة مفتوحة .
وأكد أن التعامل بالعملات الوطنية لدول البريكس ، سيكون له دور مهم جدا في تقليل الضغط الدولار الأمريكي، والحد من همينته على الاقتصاد الدولي ، وهو ما يعد من ابرز واهم مزايا الانضمام لمجموعة البريكس، متوقعا ان يتم يتراجع الطلب على الدولار بشكل واضح خلال الأشهر الأولى من تفعيل الاتفاقية، وهو ما ينعكس على سعره ويدفعه نخو انخفاض ملحوظ، وامتدت توقعات الفقي إلى حدوث انفراجة تدريجية للاقتصاد المصري.
بل توقع الفقي أنه من الممكن أن يتم إصدار عملة موحدة لدول المجموعة مما سيجعل التبادل التجاري وسد الاحتياجات ، وحركة الاستثمار في أفضل صورها.
وقال المهندس متى بشاي عضو جمعية الأتراك المصريين "تومياد"، تطبيق آلية التبادل التجاري باستخدام العملات المحلية بين مصر وتركيا بدلا من الدولار، خطوة مهمة وجاءت في التوقيت المناسب، في ظل ما يشهده العالم من توترات اقتصادية متلاحقة أثرت بشكل أثر علي اقتصاديات الكثير من الدول.
وأضاف بشاي، أن استخدام العملات المحلية بين مصر وتركيا بدلا من الدولار، سيكون له دور مهم في خفض الطلب على الدولار ومن ثم خفض سعره والحد من ازمة شحه بالسوق، كما أنه يوفر على مصر مليارات الدولارات اللازمة لاستيراد السلع والاحتياجات من تركيا، ومن البلدان الأخرى لتوفير السلع الاستراتيجية الأساسية، ومستلزمات الإنتاج التي ليس لها بديل محلي.
وأوضح عضو جمعية رجال الأعمال المصريين الأتراك، أن مصر بهذه الاتفاقيات تمضي بقوة لتقليل الاعتماد على الدولار كعملة أساسية في إجراء جميع مبادلاتها التجارية مع تركيا، وتخفيف الضغط علي الاحتياطي النقدي من العملة الصعبة وكذلك كسر لهيمنة الدولار كعملة أساسية في التعامل بين كافة البلدان.